الفصل الثامن والثلاثون
الإخلاص وشرح النيّات
والأمر بتحسينها في تصريف الأحوال والتحذير من دخول الآفات عليها في الأفعال:
قال الله الكبير المتعال: (وَمَا أُمِرُوا إلاّ لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصينَ لَهُ الدّينَ) البينة: 5 وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب رجل مسلم: إخلاص العمل لله تعالى، وقال: إنما الأعمال بالنيّات، ولكل امرئ ما نوى، وقد روينا في الحديث من طريق أهل البيت عليهم السلام: لايقبل الله تعالى قولاً إلاّ بعمل ولا قولاً وعملاً إلاً بنية، وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أفضل الأعمال أداء ما افترض الله تعالى والورع عمّا حرم الله تعالى وصدق النية فيما عند الله عزّ رجلّ، فينبغي أن يكون للعبد في كل شيء نية حتى في مطعمه ومشربه وملبسه ونومه ونكاحه؛ فإن ذلك كله من أعماله التي يسأل عنها؛ فإن كانت لله تعالى وفيه كانت في ميزان حسناته، وإن كانت في سبيل الهوى ولغير المولى كانت في ميزان سيّئاته، إذ لكل عبد ما نوى وإن كان ذلك غفلة وسهواً من غير نية ولا عقد طوبة ولا حسبة، لم يكن له في ذلك شيء، ولم يجد عمله في الآخرة شيئًا، وكان فيه لا له ولا عليه، وكان ذلك في الدنيا على مثال الأنعام التي تتصرف عن غير مقول ولا تكليف ولكن بإلهام وتوفيق، وأخاف أن يدخل في وصف من قال الله تعالى: (أَغْفلنا قَلْبَه عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَبعَ هَواه وَكَانَ أَمْرُهُ فَرُطًا) الكهف: 28، أي غفلة وسهوًا، وقيل: تفريطًا وتضييعاً، وقيل: مقدماً إلى الهلاك، فالنية الصالحة هي أول العمل الصالح وأول العطاء من الله تعالى وهو مكان الجزاء، وإنما يكون للعبد من ثواب الأعمال على حسب ما يهب الله تعالى له من النيّات، فربما اتفق في العمل الواحد نيّات كثيرة على مقدار ما يحتمل العبد من النية، وعلى مقدار علم العامل، فيكون له بكل نية حسنة، ثم يضاعف كل حسنة عشر أمثالها، لأنها أعمال تجتمع في عملٍ، وصورة النية معنيان، أحدهما: صحة قصد القلب إلى العمل بحسن التيقظ فيه والإخلاص به لوجه الله تعالى ابتغاء ما عنده من الأجر، فكل عمل كان على علم بهذه النية فهو صالح متقبل بفضل الله تعالى وبرحمته، لأن صاحبه قد اتقى الشرك والجهل والهوى، فعمله مرفوع في الخزائن مدّخر له الجزاء