السلماني الفارسيان ومالك بن دينار وسليمان التيمي ويزيد الرقاشي وحبيب بن أبي ثابت ويحيى البكاء البصريون وكهمس بن المنهال، وكان يختم في الشهر تسعين ختمة وما لم يفهم رجع فقرأه مرة أخرى وأيضاً من أهل المدينة أبو حازم ومحمد بن المنكدر في جماعة يكثر عددهم، هؤلاء المشهورون منهم، فإن أحب المريد نام ثلث الليل الأول وقام نصفه ونام سدسه الأخير، وإن أراد نام نصف الليل وقام ثلثه ونام سدسه، فقد روي أن هذا من أفضل القيام وإنه كان قيام نبي اللّّه عزّ وجلّ داود عليه السلام، جاء ذلك في روايتين وإن أحب العبد قدم القيام فيهما وأخر وتره إلى السحر فإن قام نصف الليل قسم نومه في أوّل الليل وآخره فإن قام ثلث الليل نام سدسه الأخير وإن اختار أن يقوم من أول الليل حتى يغلبه النوم ثم ينام ثم يقوم متى استيقظ ثم ينام متى غلبه النوم ثم يقوم آخر الليل فيكون له في الليل نومتان وقومتان فهذا من مكابدة الليل وهو من أشد الأعمال وهذه طريقة أهل الحضور واليقظة وأهل التذكار والتذكرة فقد كان هذا من أخلاق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال أنس ابن مالك ما كنت تريد أن ترى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائماً إلا رأيته ولا كنت تريد أن تراه قائماً إلا رأيته وكان هذا مذهب ابن عمر وأولي العزم من الصحابة في قيام الليل وفعله جماعة من التابعين، وقد رأينا من كان له في الليل قومات ونومات في تضاعيف ذلك، فإما أن يكون المنام والقيام موزوناً عدلاً فليس ذلك إلا لنبي بقلب دائم اليقظة وبوحي من الله عزّ وجلّ ولا يسلك هذا الطريق إلا بأسباب هي زاده لأن كل طريق يقطع بزاد مثله فمن أراده احتقب وأخذ من زاده فالأسباب أحدها هم يلزم القلب وحزن يسكن فيه أو يقظة دائمة يحيا بها القلب وفكر في الملكوت متصل وخلو المعدة من الطعام وقلة الشرب وأن يقيل بالنهار ولا يكثر تعب جوارحه في أمر الدنيا فهذه رياضة المريد إلى أن يألف القيام وليستوطن حينئذ فيتجافى جنبه لما في قلبه من الخوف والرجاء الذي قد استكن فيه.
وروي عن الله سبحانه وتعالى: إن عبدي الذي هو عبدي حقاً الذي لا ينتظر بقيامه صياح الديك ففي هذا حث على القيام قبل السحر ونوم آخر الليل نستحبه لمعنيين: أحدهما أنه يذهب بالنعاس بالغداة وقد كانوا يكرهون النعاس بالغداة ويأمرون الناعس بعد صلاة الصبح بالنوم، والمعنى الثاني أنه يقل صفرة الوجه فلو قام العبد أكثر الليل ونام سحراً ذهب نعاسه بالغداة وقلت صفرة وجهه ولو نام أكثر الليل وسهر من السحر جلب عليه النعاس بالغداة وصفرة الوجه فليتقِ العبد ذلك فإنه باب غامض من الشهرة والشهوة الخفيفة وليقل شرب الماء بالليل فقد يكون منه الصفرة سيما في آخر الليل وبعد الانتباه من النوم.
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أوتر من آخر الليل فإن كانت له حاجة إلى أهله دنا منهن وإلا اضطجع في مصلاه حتى يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة