وإنّ ثلاث عمر تعدل حجة، وإنّ العمرة هي الحجة الصغرى؛ وهذا في دليل الخطاب من قوله تعالى: يوم الحج الأكبر، فدل أنّ الحج الأصغر هو العمرة، ومن العرب من يسمّي العمرة حجّاً، وفي الخبر: عمرة في رمضان تعدل حجة، فمن وفق للعمل بما ذكرناه فهو علامة قبول حجه ودليل نظر الله إليه في قصده.
روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وفي حديث آخر: من خرج من بيته حاجاً أو معتمراً فمات أجري له أجر الحاج والمعتمر إلى يوم القيامة، ومن مات في أحد الحرمين لم يعرض ولم يحاسب، وقيل له: أدخل الجنة، وروي في الخبر حجة مبرورة خير من الدنيا وما فيها، وحجة مبرورة ليس لها جزاء إلاّ الجنة، وفي الحديث: الحجاج والعمار وفد الله تعالى وزوّاره، إن سألوه أعطاهم، وإن استغفروه غفر لهم، وإن دعوه استجيب لهم، وإن شفعوا شفعوا، وذكر بعضهم أنّ إبليس ظهر له في صورة شخص بعرفة، فإذا هو ناحل الجسم، مصفرّ اللون، باكي العين، مقصوم الظهر، فقال له: ما الذي أبكى عينك؟ فقال: خروج الحاج إليه بلا تجارة، أقول قصدوه أخاف أن لا يخيبهم فيحزنني ذلك، قال: فما الذي أنحل جسمك؟ قال: صهيل الخيل في سبيل الله تعالى، ولو كانت في سبيلي، كان أحبّ إليّ قال: فما الذي غيّر لونك؟ قال: تعاون الجماعة على الطاعة، ولو تعاونوا على المعصية كان أحبّ إليّ قال: فما الذي قصم ظهرك؟ قال: قول العبد أسألك حسن الخاتمة، أقول: يا ويلتي متى يعجب هذا بعمله؟ أخاف أن يكون قد، ولقي رجل ابن المبارك وقد أفاض من عرفة إلى مزدلفة فقال: من أعظم الناس جرماً يا أبا عبد الرحمن في هذا الوقت؟ فقال: من قال إنّ الله عزّ وجلّ لم يغفر لهؤلاء، وقد روينا حديثاً مسنداً من طريق أهل البيت: أعظم الناس ذنباً من وقف بعرفة فظنّ أنّ الله عزّ وجلّ لم يغفر له، ويقال إنّ من الذنوب ذنوباً لا يكفّرها إلاّ الوقوف بعرفة، وقد رفعه جعفر بن محمد فاسنده، ويقال: إن الله عزّ وجلّ إذا غفر لعبد ذنباً في الموقف غفره لكل من أصابه في ذلك الموقف، وزعم بعض السلف: إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر