بكل رحمة ما شاء الله، لأنه سبحانه يختصّ برحمته من يشاء، وأقل ماله بكل رحمة عشر حسنات، لأن في حديث عطاء عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ينزل الله على هذا البيت في كل يوم مائة وعشرين رحمة، ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين، وفي الحديث: استكثروا من الطواف بالبيت فإنه من أقل شيء تجدونه في صحفكم يوم القيامة، وأغبط عمل تجدونه، ولا تتحدث في طوافك، وعليك بكثرة ذكر الله سبحانه وتعالى من التسبيح والتهليل والحمد وتلاوة القرآن وامش بسكينة ووقار وخشوع وانكسار، ولا تزاحمنّ أحداً، واقرب من البيت ما أمكن، واستلم الركنين اليمانيين مع تقبيل الحجر في كل وتر من طوافك إن أمكن.
وقد روينا في الخبر: من طاف بالبيت حافياً حاسراً كان له كعتق رقبة، ومن طاف أسبوعاً في المطر غفر له ما سلف من ذنوبه، روي ذلك عن الحسن بن علي قاله لأصحابه ورفعه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: واتق الهمة الردية والأفكار الدنية، فيقال: إنّ العبد يؤاخذ بالهمة في ذلك البلد، وعن ابن مسعود: ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالإرادة قبل العمل إلاّ بمكة، وقال أيضاً: لو همّ العبد أن يعمل سوءاً بمكة عاقبه الله تعالى، ثم تلا: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) ؛ يعني أنه علق العذاب بالإرادة دون الفعل، ويقال: إنّ السيّئات تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات، وإنّ السيّئات التي تكتسب هنالك لا تكفر إلاّ هناك، وكان ابن عباس يقول: الاحتكار بمكة من الإلحاد في الحرم، وقيل: الكذب فيه من الإلحاد، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، لأن أذنب سبعين ذنباً بركية أحبّ إليّ من أن أذنب ذنباً واحداً بمكة؛ وركية منزلة بين مكة والطائف، وقد كان الورعون من السلف منهم عبد الله بن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهما يضرب أحدهم فسطاطاً في الحرم وفسطاطاً في الحلّ، فإذا أراد أن يصلي أو يعمل شيئاً من الطاعات دخل فسطاط الحرم ليدرك فضل المسجد الحرام، لأن المسجد الحرام عندهم في جميع ما يذكر إنما هو الحرم كله، وإذا أراد أن يأكل أو يكلّم أهله أو يتغوّط خرج إلى فسطاط الحل، ويقال: إنّ آل الحجاج في سالف الدهر كانوا إذا قدموا مكة خلعوا نعالهم بذي طوي تعظيماً للحرم، وقد سمعنا من لم يكن يتغوّط ولا يبولّ في الحرم من المقيمين بمكة ورأينا بعضهم لا يتغوّط ولا يبول حتى يخرج إلى الحلّ تعظيماً لشعائر الله تعالى، وتنزيهاً لحرمه وأمنه، وأعمال البرّ كلها تضاعف بمكة، والحسنة بمائة ألف حسنة على مثال الصلاة في المسجد الحرام، روي معنى ذلك عن ابن عباس وأنس، وعن الحسن البصري: أنّ صوم يوم بمائة ألف وصدقة درهم بمائة ألف درهم، ويقال: إنّ طواف سبعة أسابيع يعدل عمرة،