من المحامل لما أخذ منه شيء، فقد زال الاضطرار وحصل منه بالطوع والشهوة الاختيار، لعل هذا الذنب عقوبة ما حّملوا على الإبل فوق طاقتها من البيوت المسقفة التي علوها عليها، كان البعير يحمل الرجل ورحله فجعلوه يحمل مقدار أربعة وزيادة، فأدى ذلك إلى تلفها، فهم مطالبون بقتلها، لأن من حمّل بعيراً فوق طوقه حوسب بذلك وطولب، أو لعلّه ذنب ما خرجوا به من التجارات وفضول الأسباب وشبهات الأموال أو لسوء النيات وفساد المقاصد، وروينا أنّ أبا الدرداء قال لبعير له في الموت: يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحمّلك فوق طاقتك، وقد يعاقب الله على الذنب بذنب مثله أو فوقه، وينبغي أن يكون في المشاعر والمناسك أشعث أغبر فإنه سنّة، ويكثر ذكر الله في طريقه وجميع مناسكه، ويذكر به الغافلين ويقل ذكر الناس ويلزم الصمت فيما لا يعنيه، ولا يتكلّف ما قد كفى، ولا يدخل فيما لم يكلف، وإن رأى موضعاً للمعروف أمر به أو منكراً نهى عنه، فهذه المعاني تضاعف أمر الحجّ وتفضل الحجاج واستحبّ أن يقرن بين حجة وعمرة من ميقاته لأن فيه إيجاب هدى يقربه وليكون جامعاً بين نسكين من ميقات بلده، ويكون قد أتى بالعمرة لأنها مقرونة بالحجّ في الكتاب، ولأن مذهب كثير من العلماء أنها فريضة كالحجّ، وجماعة من السلف كانوا يستحسنون الابتداء بالعمرة وتقديمها على الحجّ، منهم: الحسن وعطاء وابن سيرين والنخعي.
وقد روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بينهما وأهل بهما معاً في حديث أنس، وقد حدثت عن شقيق بن سلمة عن الضبي بن معبد قال: أردت الغزو فأشار عليّ رجل من أهل العلم أن أبدأ بالحجّ فاستشرت رجلاً من أهل الفقه فأمرني أن أجمع بين حجّ وعمرة جميعاً، ففعلت، فأنشأت إليّ بهما حتى قدمنا على عمر فأخبرته بالذي فعلت، فقال: هديت لسنّة نبيّك وإن قدم العمرة فحجّ متمتعاً ثم أفرد الحجّ بعدها من عامه فهو أفضل؛ وهذا اختيار جماعة من العلماء، وإن حجّ مفرداً كما روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أفرد الحجّ فيما روينا عن عائشة وجابر، وإذا فرغ من حجه رجع إلى ميقات بلده فاعتمر من هناك فحسن، وقد قال الله عزّ وجلّ: وأتموا الحجّ والعمرة لله فإفرادهما من إتمامهما؛ وهذا قول عمر وعثمان في الإتمام، وليطف لقرانه ويسع طوافين وسعيين ليخرج بذلك من اختلاف العلماء جمعهما أو فرّقهما، وليكثر العبد من التلبية في حال إحرامه فهي من أفضل الأذكار فيه، وليرفع بها صوته وإن قال في تلبيته: لبيك يا ذا المعارج، لبيك حجّاً حقّاً، تعبّداً ورقّاً، والرغباء إليك والعمل، فقد روي هذا عن الصحابة وإن اقتصر على تلبية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحسن، وفيها كفاية وبلاغ وأحبّ أنّ يذبح وإن لم يجب عليه ويجتنب الأكل من يذبح ما كان واجباً عليه مثل نسك قران أو متعة أو كفارة، واستحب أن يأكل مما لم يكن عليه واجباً وليجتنب المعايب