سلاطينهم للنزهة، وأغنياؤهم للتجارة، وفقراؤهم للمسألة، وقرّاؤهم للسمعة، ويكره أخذ الأجرة على الحجّ فيجعل نصيبه وعناه لغيره ملتمساً عرض الدنيا، وقد كره ذلك بعض العلماء، ولأنه من أعمال الآخرة ويتقرّب به إلى الله، يجري مجرى الصلاة والأذان والجهاد فلا يأخذ على ذلك أجراً إلاّ في الآخرة، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعثمان بن أبي العاص: واتخذ مؤذناً لا تأخذ على الأذان أجراً، وسئل عن رجل خرج مجاهد فأخذ ثلاثة دنانير فقال: ليس له من دنياه وآخرته إلاّ ما أخذ، فإن كان نية عبد الآخرة أو همته المجاورة واضطر إلى ذلك، فإن الله تعالى قد يعطي الدنيا على نية الآخرة ولا يعطي الآخرة على نية الدنيا، رجوت أن يسعه ذلك، وفي الخبر: يؤجر على الحجة الواحدة ثلاثة ويدخلون الجنة: الموصي بها، والمنفذ للوصية، والحاجّ الذي يقيمها لأنه ينوي خلاص أخيه المسلم والقيام بفرضه، وقد جاء مثل المجاهد الذي يأخذ أجراً على جهاده مثل أم موسى يحلّ أجرها وترضع ولدها، هذا إذا كانت نيته الجهاد واحتاج إلى معونة عليه، كذلك من كانت نيته في حجه الآخرة، والتقرّب إلى الله تعالى بالطواف والعمرة بعد قضاء ما عليه، لم يضره أخذ أجرة على حجه إن شاء الله تعالى.
ومن فضائل الحجّ أن لا يقوي أعداء الله الصادين عن المسجد الحرام بالمال، فإن المعونة والتقوية بالمال تضاهي المعونة بالنفس، والصدّ عن المسجد الحرام يكون بالمنع والإحصار، ويكون بطلب المال، فليحتل في التخلص من ذلك فإن بعض علمائنا كان يقول: ترك التنقل بالحجّ الرجوع عنه أفضل من تقوية الظالمين بالمال، لأن ذلك عنده دخيلة في الدين، ووليجة في طريق المؤمنين، وإقامة وإظهار لبدعة أحدثت من الآخذ والمعطي؛ وهذا كما قال لأنه جعل بدعة سنة ودخولاً في صغار وذلة ومعاونة على وزر أعظم في الحرم من تكلّف حجّ نافلة قد سقط فرضه كيف، وفي ذلك إدخال ذلة وصغار على الإسلام والمسلمين مضاهاة للجزية، وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل واحد من المسلمين على ثغر من ثغور الإسلام، فإن ترك المسلمون فاشدد لئلا يؤتى الإسلام من قبلك، وفي الخبر المشهور: المسلمون كرجل واحد ومثل المسلم من المسلمين كمثل الرأس من الجسد، يألم الجسد لما يألم الرأس ويألم الرأس لما يألم الجسد، وقد يترخص القائل في ذلك بتأويل أنه مضطر إليه، وليس كما يظن، لأنه لو رجع لما أخذ منه شيء، ولو خرج في زيّ المترفين مما أحدث