هذا جلاله وعزّه لأنّ نظر سعة علمه وعلمه حيطة نظره، فهو ناظر إلى ما علمه بوصفه لا يختلف عليه أوصافه، فالكون موجود له بعلمه لسبق علمه به، ولا بيان له في علمه ولا أثر له في وصفه ولا وجود للكون في وجودكينونته، ولا قدم له في قدم أزليته، ليس محلاً للكون ولا هو حال فيه، ولأن أوليته سبقت الكون والمكان فليس لهما في قدمه قدم، كما أنه تعالى يشهد الآن ما يكون من العاقبة والمآل إلى آخر الأحوال، لا يختلف الأواخر والأول في صفاته ولا تتفاوت صفاته على ترتيبها من نظر وعلم، لأنها معلوم علمه وموجود إرادته، فهو سبحانه وتعالى واجد الأشياء به لا بها، وناظر إليها في علمه لا بوجودها لاقتداره عليها وإحاطة علمه بها، والكون معدوم لنفسه لتلاشيه لأنه سبحانه وتعالى خالق العدم كما هو خالق الوجود، ليس للعدم قدم مع قدمه فيكون ثانياً معه، ولا الكون كائن موجود بنفسه فيكون أولاً مع أوليته، جلّ الواحد المتحد بنفسه عن ثانٍ معه في الأزل أو شريك له في القدم، ثم ظهرت الأشياء لنفوسها فظهر بعضها لبعض بإظهاره، فوجدت بإيجاده وظهر عليها بإظهاره بحد ووقت لا أول لها ولا قبل بل هو الأول الذي لم يزل بلا أول، والقديم الأبد بلا وقت ولا أمد قائم بصفاته، وصفاته موجودة له قائمة به، فمن شهد ما فصلناه بنور اليقين لم يدخل عليه قدم العالم، إذ لا قديم مع الله في كينونية أزله، ومن لم يهتد بما بيناه ووقف مع العقل ودخلت عليه شبهة قدم العالم، فالحد برؤيته قدم الحدثان أو جحد قدم العلم، ينفي وجود الحدث فيه، وهذا شرك بالصفات بترتيبه إياها بالعقل، ونحن بريئون من شهادته، مبطلون لدعواه منكرون لشركه في القدم، موحدون باليقين ما ألحد بالعقل، لأنّ من قال: إنّ شيئاً قديم مع اللّّه تعالى أو موجود بنفسه لنفسه، فقد أشرك في الصفات، ومن قال: إنّ الله سبحانه نظر بعد أن لم ينظر أو علم بعد أن لم يعلم أو تكلم بعد أن لم يتكلّم، فقد قال بحدوث الصفات وقدم عليها لمعلومات، بل المعلومات منطوية في العلم لا أثر لها فيه، والله قديم بعلمه واجد لمعلومه بنفسه عن علمه به لقدرته عليه يقهره، وناظر إليه بعلمه لا بعدم معلومه والمعلوم معدوم لنفسه غير موجود بنفسه حتى أحدثه وأوجده، فظهر حين أظهره لمن أظهره بعضاً لبعض لا لنفسه، إذ قد فرغ منه لعلمه به

لا أنه قرب له نظره؛ كما لم يحدث به علمه لنفسه وعلمه صفته لم يزل له وهو قائم بوصفه، ولا يجوز أن يحدث له شيئاً لم يعلمه، كذلك لا ينبغي أن يفقد شيئاً لم يجده، ومن اختلف عليه ما ذكرناه دخل عليه مذهب المعتزلة والجهمية، لأن المعتزلة مجمعة على اختلافهم أنّ الله تعالى لا يرى الشيء حتى يكون، واختلفوا في العلم فقالت العبادية من القدرية وهم أصحاب عباد: إنّ الله تعالى لا يرى الشيء، حتى يكون،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015