يخلقهم، فلما أظهرهم استعملهم بأعمال أهل الرضا فأسكنهم دار الرضا، وقد روينا عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ: (هَلْ أَتى عَلَى الإِنْسَانِ حينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَىْئاً مَذْكُوراً) الدهر: 1؛ يعني كان في علم اللّّه أنه يكوّنه وكأنه علق قوله، لم يكن بقوله مذكوراً والله تعالى يخبر بما يكون في الدنيا وبما يكون في القيامة وبما بعدها، بلفظ أنه قد كان لاستواء ذلك في عمله آخراً كأول، إذ لا ترتيب في العلم ولا حدّ ولا مسافة ولا بعد في القدرة، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قيلاً) النساء: 122، أعنده علم الغيب، فهو يرى فنقصه بذلك وذمه، وقال تعالى: (الَّذي يَراكَ حينَ تَقُومُ) (وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدينَ) الشعراء: 218 - 219؛ أي ويرى تقلبك وبه انتصب التقلب بالعطف على القيام، وجاء في التفسير تقلبك في الأصلاب الزاكية والأرحام الطاهرة، لم يتفق لك أوان على سفاح قط، كذلك روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل في أصلاب الأنبياء: يقلبك بالتنقيل في صلب نبي بعد نبي حتى أخرجك من ذرية ورثة إسماعيل.

وقد روينا يعني ذلك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال تعالى في سمع الأصوات قبل الأشباح وخلقها: (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا) المجادلة: 1، فأخبر أنه سمع الأصوات في القدم في علمه قبل خلق المصوتين في الحديث، فكيف لا يرى الكون عن آخره في القدم بعلمه قبل ظهورهم له متصورين بفعله؟ وقد قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) الأعراف: 11، والخلق والتصوير كانا بعد السجود لآدم، فأخبر عنه أولاً لشهوده له واستوائه في علمه إذ لا بدّ من كونه، فأشبه قوله تعالى: (خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِِ) الأعراف: 54، والعرش قبل السموات والأرض والاستواء صفته لم تزل به، ثم أخبر عنه أنه أخر الترتيب، فاللّّه سبحانه وتعالى عالم بالكون قبل الكون وناظر إلى علمه، لا حجاب بينه وبين معلومه، وسامع لما شهد ومتكلم بما علم فقد سبق النظر والسمع والكلام الكون كله من حيث سبق العلم والقدرة والمشيئة، فهو ناظر سامع متكلم بنفسه من حيث كان عالماً مقتدراً مريداً بنفسه، ثم أظهر الخلق عالماً بعد عالم في وقت بعد وقت، فجاؤوا على نظره وسمعه وكلامه كما كانوا في علمه وقدرته ومشيئته، بغير زيادة ولا نقصان خردلة، ألا ترى أنه بقدرته وعلمه يرى يوم القيامة وما فيها؟ والآخرة وما يكون منها على حقيقة ما أخبر عنه لا يمنعه عدم الكون ولا يحجبه بعد التأخير؟ كذلك كان يشهد ما قد كان اليوم في قدمه بعلمه به وبقدرته عليه وحيطته به، لا يمنعه عدم كونه ولا يحجبه، فقد ظهوره ولا يجوز أن يدرك سبحانه وتعالى اليوم ما لم يكن أدركه في القدم، كما لا يجوز أن يستفيد الآن علم ما لم يكن علمه فيما لم يزل، فيكون متكلّماً بما لم يشهد وهو معلومه منطوٍ في علمه، أو يكون مستزيداً بما أظهر حين ظهر وهو في قبضته وغيبه، جلّ عن ذلك وصفه وعلا عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015