وهذا الذي ذكره دواء من اعتلّ بنظره إلى نفسه، ثم سقم بنظر الناس إليه لزمه سد نظره إلى نظرهم، ليس لها من دون الله كاشفة إلا إن هذا من طبّ المجانين، يصلح لضعفاء اليقين، ولو أدخل الطبيب الأعلى ذرة من عين اليقين، أخرج بها من قلبه كل نظرة فاستراح من كل دواء، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ليهلك من هلك عن بينّة بشواهد الحق، ويحيا من حي عن بينة بشاهد الحق، ويتلوه شاهد منه فلا تنكرنّ من جميع ما ذكرناه شيئاً، فتخسر أقل أنصبة المؤمنين من علم القدرة واليقين، لأن للمؤمنين أنصبة من هذا العلم؛ منها المشاهدة لما وصفناه، والإدراك لما رمزناه، ومنها الوجد والحال، ومنها المعاملة، والمنازلة، ومنها الذوق والشمّ، منه وآخرها التصديق والقبول، فأقل النصيب من علم المعرفة إن لم يشهد فلا يجحد، وإن لم يعرف فليتعرّف، ويكون معقله التسليم وليس وراء هذا مكان، وهذه المقامات التي شرحناها وهي مقامات اليقين؛ أولها التوبة إلى هذا المقام من المحبة، منوط بعضها ببعض، إن أعطي العبد حقيقة من أحدها أعطي من كل مقام حاله ومع كل حال مشاهدة، ولكل مشاهدة علم، إلا من شهد بالحق، وهم يعلمون وكلها مجموعة في حقيقة الإيمان، إن أعطي العبد حقيقة من إيمان ويقين حتى يكون مؤمناً حقّاً، غير مرتدّ عنه ولا مستبدل به في علم الله تعالى، وكان إيمانه منة وهبة لا عارية ولا وديعة، فيسترد ويرتد على إظهار لبس أو إدراج مكر، محنة من الله تعالى وخبرة، ويكون مستبدلاً لا بدلاً، فإذا لم يكن كذلك وكان بدلاً من مستبدل به أعطي من جميعها حالاً فحالاً، وشهادة شهادة، وإن تفاوتوا في العلوم وتعالوا في القرب وذاك هو كمال الإيمان، وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصف كمال الإيمان، ثلاثة أحاديث من أصول هذه الأحوال وأساس هذه الأفعال منها؛ أنه قال: لا يستكمل العبد إيمانه حتى يكون قلة الشيء أحبّ إليه من كثرة الشيء، وحتى لا يعرف أحبّ إليه من أن يعرف، فهذان حالا الصادق الزاهد، وهما أول الطريق المؤدي إلى التحقيق وأس البنيان الرافع، إلى أنه ألا يخاف في الله لومة لائم ولا يرائي بشيء من عمله، وإذا عرض له أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخرة، آثر أمر الآخرة على أمر الدنيا، فهذه أحوال المحبّ لله تعالى، المخلص بمعاملة الله عزّ وجلّ، الراغب فيما عند الله تبارك وتعالى، والحديث الثالث قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون فيه ثلاث خصال؛ من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا قدر لم يتناول ماليس له، فهذه تجمع أحوال العدل والفضل والمراقبة والزهد، وهي أصول المقامات ويشبه هذا الحديث قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في الحديث الرابع: ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود، العدل في الرضا والغضب، والقصد في