الكون
والمكان للعيان قبل اللقاء، وإن كانت ظاهرة لباطن إلا أنها مستورة بالصنع للإيقان، مقطوع عنها الوهم راجع عنها الفكر والهم، وسألهم أن لا يظهروا ما في الحكمة والعقل إخفاؤه، لأن إظهاره لا يصلح للخلائق ولا يستقيم عليه أمر المملكة، ولا ينتظم به التدبير لما سبق من التقدير، وفيه سقوط الأحكام ووقوع الهلكة للأنام، فإذا رأوا ذلك منه وما قد استثناه عليهم منها استجابوا له أحسن استجابة، وردوها إليه أسرع مرد وأبلغه في مرضاته، وهو أن يتركوا إظهار شيء لإظهاره ويزهدوا في كل معنى منها لوجهه، ورضوا بتصريف قدرته في مجاري حكمته. ن للعيان قبل اللقاء، وإن كانت ظاهرة لباطن إلا أنها مستورة بالصنع للإيقان، مقطوع عنها الوهم راجع عنها الفكر والهم، وسألهم أن لا يظهروا ما في الحكمة والعقل إخفاؤه، لأن إظهاره لا يصلح للخلائق ولا يستقيم عليه أمر المملكة، ولا ينتظم به التدبير لما سبق من التقدير، وفيه سقوط الأحكام ووقوع الهلكة للأنام، فإذا رأوا ذلك منه وما قد استثناه عليهم منها استجابوا له أحسن استجابة، وردوها إليه أسرع مرد وأبلغه في مرضاته، وهو أن يتركوا إظهار شيء لإظهاره ويزهدوا في كل معنى منها لوجهه، ورضوا بتصريف قدرته في مجاري حكمته.
وهذا غاية الجهد ونهاية الزهد والحب، فيشكر لهم ذلك أحسن شكر ويدخر لهم عنده أفضل ذخر، ولما دخل الزنج البصرة فقتلوا الأنفس ونهبوا الأموال، اجتمع إلى سهل إخوانه فقالوا: لو سألت الله عزّ وجلّ في هذا الأمر، ولو دعوت، فسكت ثم قال: لله تعالى عباد في هذه البلدة، لو دعوا على الظالمين لم يصبح على وجه الأرض ظالم إلا مات في ليلة، ولكن لا يفعلون، قيل: ولم؟ قال: لأنهم لايحبون ما لا يحب، ثم ذكر من إجابة الله تعالى أشياء لا نستطيع ذكرها، حتى قال: لو سألوه أن لا يقيم الساعة لم يقمها، واعلم أن العبد إذا بلغ من الله تعالى هذا المكانة حتى يعطيه كن اقتضته الحال أن يقول: وفقني لما تحب واعصمني مما تكره، فإني بشر جاهل لا أحسن التدبير ولا أعرف المقادير ولا علم لي بعواقب الأمور، وأخاف أن يكون في قولي تفاوت وفي إرادتي اضطراب، وإذا أجابه تعالى إلى ذلك، سكت فلم ينطق وسلم، ورضي بالتدبير فأطرق لأن الذي يحب الله تعالى يحب أن تكون الأمور على ماهي عليه، لأنها عن تدبير يظهر بمعاني الخير والشر لأنه تولى التدبير بنفسه كما استوى على العرش بوصفه، ولم يجعل على العباد تدبير الملك إنما جعل عليهم الصبر والرضا للملك، فمرجع العبد إلى الصمت والأدب في نفوذ المراد كما كان، وترك العبد الفضول والاعتراض وحصل له مقام التوكل والرضا، ولذلك كان أبو محمد رحمه الله تعالى إذا قيل له: مامراد الله تعالى من الخلق؟ يقول: ماهم عليه، فكيف تريد ما لا يريد وهو محب لصفاته التي عنها تظهر المرادات، ومنها تبدو الأحكام، ولا بدّ ممّا يكون كما لابد ممّا كان، وكن منطوٍ تحت كان ولولا كان لم يكن، فكان أحب إليهم من كن لأنّ له ولهم مثل كن أمثال وليس لهم ولا له مثل كان مثل، فهؤلاء هم الذين لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، وهم المحبون لله من عباده الزاهدون في ملكوته لوداده، وكذلك صنعوا مثل هذا فيما استخلفهم فيه من الأموال لما سمعوه يقول: وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فأخرجوا الكل لأجله، فكان هو خلفاً لهم بعد أن كانوا وكلاء؛ فإذا قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل يقول الله تعالى لهم فانقلبوا بنعمة الله وفضل لم يمسسهم سوء، واتبعوا رضوان الله رضي الله عنهم ورضوا عنه لأنهم عملوا بما قالوا، فتحققوا بالإيمان، وقيل: إنّ الإيمان قول وعمل، ولا ينوب القول عن العمل، وإذا قالوا: إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى: صدقتم لأنهم لا يخدمون ولا يذلون لسواه، ولا يعدون للنوائب إلا إياه، ولا يستعينون بغيره، ولذلك صاروا صدّيقين لتصديق الصادق لهم، كما بلغنا أنّ العبد ليقرأ قوله: إياك نعبد وإياك نستعين، فيقول الله تعالى: كذبت ولو كنت إياي تعبد لم تخف ولم ترج سواي، ولو كنت بي تستعين لم تسكن إلى مالك وأهلك، وكذلك بلغنا أنّ العبد ليقرأ السورة من القرآن فتصلي عليه حتى يفرغ منها، إذا عمل بها فهذا صديق، وأن العبد ليقرأ السورة من القرآن فتلعنه إلى أن يختمها، إذا لم يعمل بما يقول فهذا كذاب، فأين الإيمان؟ ولا إيمان إلا بعمل فليس هذا مؤمناً حقّاً، فالأولياء حققوا القول بالعمل، وشهدوا الإيمان باليقين، فإذا قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر توكلوا عليه ورضوا عنه وتألهوا إليه، ولم يكن في صدورهم غيره فيقول الله تعالى: صدقتم، فيكونون صدّيقين كما يقول للشيء: كن فيكون، فتدبروا فإذا قال: ونعم الوكيل، قاموا مقام التوكل فصار لهم في الصدق مقامات، يقول الصادق: صدقتم، فيكونون صدّيقين، فيقول: عبادي، أنتم خيرتي من ذوي ودادي، وأنا وكيلكم رضيتم بي وأنا حسبكم، فهؤلاء الذين انقلبوا بنعمة من