تكون لأبدال المرسلين من الصدّيقين، وإنّما يعطاها أبدال النبيين من الصالحين، فأبدال المرسلين فضّلهم على أبدال النبيين كفضل المرسلين على النبيين وكفضل الصدّيقين على من دونهم من الصالحين، كيف وقد قال بعض العلماء: ما رأيت هذه الكرامات أظهرت إلا على أيدي البله من الصادقين.
وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من يدخل الجنة من أمتي البله، وعليون لذوي الألباب، فأولو الألباب هم المواجهون بالخطاب، الشهداء عليه، المستحفظون للكتاب، كما قال تعالى: (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ الله وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاْءَ) المائدة: 44، والعامة يحسبون أنها من أعلى مقامات المعرفة فجميع تلك الأسرار من الغيوب التي تكنّها الحجب والأستار لا يظهر عليه إلا مطلوب، والمطلوب عن نفسه مسلوب، فمن بقيت عليه من نفسه بقية، أو نظر إلى حركته وسكونه بعينه نظرة خفية فسترها عليه رحمة له، لأنه لو كوشف هلك في حيرة الهوى، وغرق في بحر الدنيا، ونفس حبه لها، وعين طلبه إياها هو حجابها عنه واستثارها منه، حتى يكون كارهاً لظهورها كراهته لظهور الخلق عليه في معصيته، وخائفاً منها خيفته من نفسه في تظاهرها عليه بهلكته، فإذا بقي بباق وحيّ بحياة حي صرفاً منه وصرفاً عنه بلا طلب ولا نظر ولا سبب ولا فكر، أدّى لعجائبه، وفتح له كنوز غرائبه، ويفعل الله ما يشاء.
وقال بعض العارفين ممن يكشف عن مشاهدته: عبدت الله ثلاثين سنة بأعمال القلوب والجوارح على بذل المجهود، واستفراغ الطاقة، حتى ظننت أنّ لي عند الله شيئاً، فذكر أشياء من مكاشفات السموات في قصة طويلة قال في آخرها: فبلغت صفاً من الملائكة بعدد جميع ما خلق الله من شيء فقلت: ما أنتم؟ قالوا: نحن المحبوب لله نعبده ههنا منذ ثلاثمائة ألف سنة ماخطر على قلوبنا قط طلب لسواه ولا ذكرنا غيره، قال: فاستحييت من أعمالي فوهبتها لمن حقّ عليه الوعيد تخفيفاً عنهم في جهنم، وقال بعض العلماء: كل مقام أعبر عنه إلا مقام المحبة، قيل: ولم؟ قال: لأن الشيء يعبر عنه بألطف منه ولا شيء ألطف من المحبة، وقيل لمعروف: أخبرنا عن المحبة أي شيء هي؟ قال: ياأخي ليس المحبة من تعليم الناس، المحبة من تعليم الحبيب، وقد كان الحذاق من العلماء لا يخبرون بحقائق أربع مقامات؛ حقيقة التوحيد، وحقيقة المعرفة، وحقيقة المحبة، وحقيقة الإخلاص، وقال بعض العارفين: كل المقامات عن أنوار الأفعال والصفات، إلا المحبة فإنّها عن نور حقيقة الذات، فلذلك عزّ وصفها، وعزب علمها، وقلّ من المؤمنين المتحقق بها؛ وذلك أنّها سرّ كالمعرفة إذا ظهر المحبوب أحببته كما إذا رأيت المعروف عرفته؛ وذلك متعلّق به وهو الظاهر لظاهر المعرفة والمحبة الباطن لباطن المحبة، والمعرفة عن وصف باطن، ومن أدرك مقام المحبة لله لم يضره فوت شيء من المقامات، ومن فاته