روينا عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإن لكل عبد رزقاً هو آتيه لا محالة، فمن قنع به ورضي بورك له فيه، ومن لم يقنع به ولم يرضَ لم يبارك له فيه ولم يسعه.
ويقال: لو هرب العبد من رزقه كما لو هرب من الموت لأدركه، وفي وصية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن عباس: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الخلائق لو جهدوا أن ينفعوك بما لم يكتبه الله لك ما قدروا على ذلك، ولو جهدوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله سبحانه لك لم يقدروا على ذلك، طويت الصحف وجفّت الأقلام، فمن كانت هذه مشاهدته في القسم المعلوم سقط عنه جملة من الهموم واستراح من النظر إلى الخلق واستراح الخلق، ومن أذاه، وشغل عنهم بخدمة مولاه، وكان قد فهم شيئاً من الخطاب، وممّن أقبل على الله الكريم بصالح ما دعاه إليه واستجاب، كما روي أن رجلاً لزم باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه كل غداة فشهد عمر منه مجيئه لأجل الطلب فقال له: ياهذا هاجرت إلى عمر، أو إلى الله، إذهب فتعلّم القرآن، فإنه سيغنيك عن باب عمر، فذهب الرجل فغاب زماناً حتى افتقده عمر، فسأل عنه فدلّ عليه فأتاه، فإذا هو قد اعتزل الناس وأقبل على العبادة فقال له عمر رضي الله عنه: إني قد افتقدتك حتى اشتقت إليك، فما الذي شغلك عنا؟ فقال: إني قد قرأت القرآن فأغناني عن عمر وعن آل عمر، فقال له عمر: رحمك الله فما الذي وجدت فيه؟ فقال: وجدت فيه وفي السماء رزقكم وما توعدون فقلت: رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض، فبكى عمر، وكانت موعظة له منه، فكان عمر بعد ذلك يشابه في الأحايين فيجلس إليه ويستمع منه.
وجاء رجل إلى بشر بن الحارث فقال: إني قد عزمت على سفر إلى الشام وليس عندي زاد فما ترى؟ فقال: ياهذا أخرج فيما قصدت له، فإن لم يعطك ما ليس لك لم يمنعك ما لك، وشكا رجل إلى فضيل حاله فقال ياهذا مدبّر غير الله تريد؟ وكان الحسن يقول: التوكّل هو الرضا، وفي تفسير قوله عزّ وجلّ: (وَقَدَّرَ فيهَا أَقْوَاتَهَا) فصلت: 10 قال: خلق الأرزاق قبل الأجسام بألفي عام فالمتوكّل لا يطالب مولاه برزق غد كما لا يطالبه مولاه بعمل غد، فأما المتوكّل في المضمون من الرزق المعلوم من القسم فهو توكّل العموم يستحي الخصوص من ذكره، ويتكرمون عن نشره إذا كان الله تعالى قد أقسم بنفسه أن الرزق في السماء حقّ، كما أقسم بنفسه أن كلامه حق، فجمع بينهما في الحقيقة بالقسم بالذات دون سائر الأفعال لتسكن بذلك نفوس الخليقة عن النظر إلى الأدوات، ليرتفع الشكّ فيهما ويحصل اليقين بحقيقتهما، فقال سبحانه: (فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ)