وإن هذا المسكين ينظر إلينا فيما يعطي، فرددنا عليه صلته، وعندها لاتذم أحداً ولا تبغضه لأجل أنه كان سبباً لمنعه إذ كان الله هو المانع الأوّل، وإذ له في المنع من الحكمة مثل ما له من العطاء من النعمة، ولكن نذمّه وننقصه ونبغضه إن كان استوجب ذلك من مولاه، فيكون موافقاً له، والله تعالى يشهد يده في العطاء، ويمدح المنفقين نهاية في كرمه، ويشهد في المنع والمكروه مشيئته، ويذمّ الباخلين والعاصين قدرة من حكمته وحكماً من تقديره لإظهار الأحكام وتفصيل الحلال والحرام وعود الثواب والعقاب على الأنام، فقد أظهر الأمر واستأثر بسرّ القدر فعمل المؤمن بما أمر وسلم له ما استأثر.
وروى بعض العلماء عن الله تعالى: لو أن ابن آدم لم يخف غيري ماأخفته من غيري، ولو أن ابن آدم لم يرج غيري ما وكلته إلى غيري، وروى أعظم من هذا قال: وضع العبد في قبره مثل له كل شيء كان يخافه من دون الله عزّ وجلّ يفزعه في قبره إلى يوم القيامة، وقال الفضيل بن عياض: من خاف الله خاف منه كل شيء، ويقال: إن الخوف من المخلوقات عقوبة نقصان الخوف من الخالق، وإن ذلك من قلة الفقه عن الله تعالى وقد قال الله أحسن القائلين في معناه: (لأنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً في صُدُورِهِمْ مِنَ الله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ) الحشر: 13 فكان العبد إذا تمّ خوفه من الله تعالى، أزال ذلك الخوف خوف المخلوقين عن قلبه، وحوّل ذلك في قلوب المخلوقات فصارت هي تخافه إن لم يخفها هو، كما إذا كملت مشاهدة العبد وقام بشهادته وغيّبت تلك المشاهدة وجود الكون مع الله عزّ وجلّ فلم يرها، وقام له القيوم بنصيبه من الملك لما تفرّغ قلبه لمعاينة الملك، وقال سنيد عن يحيى بن أبي كثير: مكتوب في التوراة ملعون من ثقته مخلوق مثله، وقال سنيد: يعني أن يقول: لولا فلان هلكت، ولولا كذا ما كان كذا، ويقال: إن قول العبد لولا كذا ماكان كذا من الشرك، وقال في الخبر: إياكم ولو فإنه يفتح عمل الشيطان.
وقال بعض العلماء: سوف جند من جنود إبليس، وقد جاء في تفسير قوله تعالى: (فَلَمّا نَجّاهُمْ إلَى الْبِّر إذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) العنكبوت: 65 قالوا: كان الملاح فارهاً، ومثله في قوله تعالى: (ومَا يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بِالله إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) يوسف106، قيل قالوا: لولا نباح الكلاب وزقاء الديكة لأخذنا السرق، وروينا عن عمر رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من اعتزّ بالعبيد أذلّه الله، وقد جاء في الخبر: لو توكّلتم على الله حقّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً، ولزالت بدعائكم الجبال، وقد كان عيسى عليه السلام يقول: انظروا إلى الطير لا تزرع ولا تحصد ولا تدخر والله يرزقها يوماً بيوم، فإن