أجره بغير حساب ثم إنه لا يتخذ التائب عادة من ذنب فيتعذر بها توبته فإن العادة جند من جنود الله تعالى لولاها لكان الناس كلهم تائبين ولولا الابتلاء لكان التائبون مستقيمين ثم إن يعمل في قطع معتاد إن كان ثم ليصبر على مجاهدة النفس في هوى إن بلي به، فهذه الخصال من أفضل أعمال المريدين وأزكاها ومعها تلهم النفس المطمئنة رشدها وتقواها وبها تخرج من وصف الأمّارة بالسوء إلى وصف المطمئنة إلى أخلاق الإيمان وهذا أحد المعاني في الخبر الذي روى: أفضل الأعمال ما أكرهتم عليه النفوس، لأن النفس تكره خلاف الهوى، والهوى هو ضد الحق والله تعالى يحب الحق فصار جبار النفس على خلاف الهوى وعلى وفاق الحق لأن محبة الحق من أفضل الأعمال كما قال تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) الأعراف: 8 الآية، واستثنى من أهل الخسر الذين تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وهذا أوّل اليقين، وحدثت عن بعض أهل الاعتبار: إنه كان يمشي في الوحل فكان يتقي ويشمر ثيابه عن ساقيه ويمشي في جوانب الطريق إلى أن زلقت رجله في الوحل فأدخل رجليه في وسط الوحل وجعل يمشي في المحجة قال: فبكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: هذا مثل العبد لا يزال يتوقى الذنوب ويجانبها حتى يقع في ذنب منها وذنبين فعندها يخوض الذنوب خوضاً وعلى العبد أن يتوب من الغفلة التي هي كائنة فإذا عرف هذا لم تنقطع أبداً توبته وقد جعل الله تعالى أهل الغفلة في الدنيا هم أهل الخسران في العقبى، فقال عز من قائل: (أولئكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف: 179، لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ولكن غفلة دون غفلة وخسران دون خسران ولا تستحقرن الغفلة فإنها أوّل المعاصي وهي عند الموقنين أصل الكبائر وقد جعل علي كرم الله وجهه الغفلة إحدى مقامات الكفر وقرنها بالعمى والشك وأمال صاحبها عن الرشد ووصفها بالحسرة فقال في الحديث الذي يروى من طريق أهل البيت: فقام عمار بن ياسر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الكفر على ما بني؟ فقال: على أربع دعائم: على الجفاد، والعمى، والغفلة، والشك، فمن جفا احتقر الحق وجهر بالباطل ومقت العلماء، ومن عمى نسي الذكر ومن غفل حاد عن الرشد وغرّته الأماني فأخذته الحسرة والندامة وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب، ومن شكّ تاه في الضلالة.
وقال بعض العلماء: من صدق في ترك شهوة وجاهد نفسه لله تعالى سبع مرات لم يبتل بها، وقال آخر: من تاب عن ذنب واستقام سبع سنين لم يرجع إليه أبداً، وقال بعض العلماء: كفارة الذنب المعتاد أن تقدر عليه عدد ما أتيته ثم لا تقع فيه فيكون كل ترك كفارة لفعل وهذا حال الأقوياء من التوّابين وليس هو طريق الضعفاء من المريدين بل حال الضعفاء والهرب والبعد، ومن حدث نفسه بمعصية في عدمها لم يملك نفسه عند وجودها فليعمل المريد في قطع وساوس النفس بالخطايا وإلا وقع فيها لأن الخواطر تقوى فتكون