لرحمتماه لعله يتوب إليّ فأغفر له لعله يستبدل صالحاً فأبدله حسنات فذلك معنى قوله تعالى (إنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَواتِ والأرْضَ أن تَزُولاً) فاطر: 41 أي من معاصي العباد: (وَلَئِنْ زالتا إنْ أمْسَكَهُما مِنْ أحِدٍ مَنْ بَعْدِهٍ إنَّهُ كانَ حليماً) فاطر: 41 أي عن معاصيهم غفوراً لمساوئهم وقيل في تفسير ذلك: إن الله عزّ وجلّ إذا نظر إلى معاصي العباد غضب فترجف الأرض وتضطرب السماء فتنزل ملائكة السماء فتمسك أطراف الأرضين وتصعد ملائكة الأرضين فتمسك على أطراف السموات، ولا يزالون يقرؤون: (قُلْ هَوَ اللهُ أحدٌ) الإخلاص: 1، حتى يسكن غضبه سبحانه وتعالى فذلك قوله تعالى: (إنَّ الله يُمْسِكُ السَّمواتِ) فاطر: 41 الآية.
وقال بعض العلماء: إذا ضرب الناقوس في الأرض ودعى بدعوة الجاهلية اشتد غضب الرب سبحانه وتعالى فإذا نظر إلى صبيان المكاتب ورأى عمار المساجد وقيل: إذا نظر إلى المتحابين في الله أو المتزاورين له وسمع أصوات المؤذنين حلم وغفر فذلك قوله تعالى: (إِنَّهُ كانَ حليماً غَفُوراً) فاطر: 41 فإذا أتبع العبد الذنب بالذنب ولم يجعل بين الذنبين توبة خيف عليه الهلكة لأن هذه حال المصرّ ولأنه قد شرد عن مولاه بترك رجوعه إليه ودوام مقامه مع النفس على هواه وهذا مقام المقت في البعد وأفضل ما يعمله العبد قطع شهوات النفس أحلى ما يكون عنده الهوى إذ ليس لشهواتها آخر ينتظر كما ليس لبدايتها أوّل يرتسم فإن لم يقطع ذلك لم يكن له نهاية فإن شغل بما يستأنف من مزيد الطاعة ووجد حلاوة العبادة وإلا أخذ نفسه بالصبر والمجاهدة فهذا طريق الصادقين من المريدين.
وقيل في قوله تعالى: (اسْتَعينوا بالله واصْبِروا) الأعراف: 128 أي استعينوا به على الطاعة واصبروا على المجاهدة في المعصية، وقال علي كرمّ الله وجهه: أعمال البرّ كلّها إلى جنب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتفلة إلى جنب البحر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى جنب الجهاد في سبيل الله تعالى كتفلة في جنب بحر والجهاد في سبيل الله تعالى إلى مجاهدة النفس عن هواها في اجتناب النهي كتفلة في جنب بحر لجيّ، وعلى هذا معنى الخبر الوارد رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر مجاهدة النفس، وكان سهل بن عبد الله يقول: الصبر تصديق الصدق وأفضل منازل الطاعة صبر على معصية ثم الصبر على الطاعة، وقد روينا في الإسرائيليات: إن رجلاً تزوّج امرأة في بلدة وأرسل عبده يحملها إليه فراودته نفسه وطالبته بها فجاهدها واستعصم بالله قال: فنبأه الله تعالى فكان نبياً في بني إسرائيل.
وفي بعض قصص موسى عليه السلام: إنه قال للخصر عليه السلام: بأيّ شيء أطلعك الله تعالى على علم الغيب؟ فقال: بترك المعاصي لأجل الله تعالى، فالجزاء من الله تعالى يجعله غاية العطاء لا على قدر العمل لكن إذا عمل له عبد شيئاً لأجله أعطاه