وأعلم أنه لا يؤمن على ضعيف اليقين قوي النفس عند تذكّر الذنوب نظر القلب إليها بشهوة أو ميل نفس معها بحلاوة فيكون ذلك سبب فتنته فيفسد من حيث صلح كما لا يؤمن على معتاد خطيئة بالنظر إلى سببها حركة النفس إليها وإن كان الأفضل الإتفاق معها ما لم يكن الإتفاق معصية لمجاهدة النفس بالصبر عنها إلا أن ذلك غرور وفيه خطر فترك الاجتماع وقطع الأسباب حينئذ أسلم وما كان أسلم للمريد فهو أفضل وفي نسيان الذنوب الذكر لما يستقبل والانكماش على ما يفوت من الوقت خوف فوت الثاني.
وقد كان بعض أهل المعرفة يكره للمريد أن يكون وسواسه الجنة أو نذكر ما فيها من النعيم واللباس والأزواج وقال: واستحب للمريد أن يكون وسواسه ذكر الله تعالى وخواطره وهممه متعلقة بالله تعالى لا سواه قال: لأن المريد حديث عهد بتوبة غير معتاد لطول الاستقامة والعصمة، فإذا تذكر نعيم الجنة لم آمن عليه لضعف قلبه أن يشتهي مثله مما يشاهد في الدنيا من اللباس والطيبات والنكاح لأن هذا عاجل وذاك آجل فتطلب نفسه مثل ما تذكرت من نعيم الآخرة معجلاً في الدنيا قال: فإذا كان همه الله تعالى كان أبعد له من زينة الدنيا وشهواتها ولم يجتر العدو بتمثيل ذلك له من العاجل إلى أن يقوى يقينه وتنتقل عادته وتدوم عصمته، وقد اختلف أهل العلم أيضاً في عبد ترك ذنباً وعمل في الإستقامة ونفسه تنازعه إليه وهو يجاهدها، وفي آخر: ترك الذنب وانكمش في الإصلاح فلم تكن نفسه تطالبه فلا تنازعه إلى الذنب ولم يكن على قلبه منه ثقل ولا مجاهدة، أيّ هذين أفضل فقال بعض علماء أهل الشام: الذي تنازعه نفسه إلى الذنب وهو يجاهدها أفضل لأن عليه منازعة وله فضل مجاهدة، ومال إلى هذا القول أحمد بن أبي الحواري وأصحاب أبي سليمان الداراني.
وقال علماء البصرة: الذي سكنت نفسه عن المنازعة بشاهد من شواهد اليقين والطمأنينة فلم يبق فيه فضل لعود ولا طلب لمعتاد أفضل، ومال إلى هذا رباح بن عمرو القيسي وهو من كبار علماء البصريين، وقال: لو فتر هذا لكان هذا أقرب إلى السلامة ولم يؤمن على الآخر الرجوع وهذا كما قال، وقد اختلف العلماء أيضاً في عبدين سئل أحدهما شيئاً: من بذل ماله في سبيل الله فأبت نفسه عليه وثقل عليها ذلك فجاهدها وأخرج ماله، وسئل آخر، بذل ماله فبذله مع السؤال طوعاً من غير منازعة نفس ولا ثقل عليها ولا مجاهدة منه لها أيهما أفضل؟ فقال: قوم المجاهد لنفسه أفضل لأنه جتمع له الإكراه والمجاهدة فحصل له عملان، وذهب إلى هذا القول ابن عطاء وأصحابه، وقال آخرون: الذي سمحت نفسه بالبذل طوعاًمن غير إكراه ولا اعتراض أفضل قال: لأن مقام هذا في سخاوة النفس والتحقق بالزهد أفضل من جميع أعمال الأول من الإكراه والمجاهدة، ومن بذل ماله على ذلك ولأن الأول وإن غلب نفسه في هذه الكرة