الذي كرهته الصحابة ووصفوا به قراء آخر الزمان أنهم يحفظون حروفه ويضيعون حدوده وكان الحجاج أقرأ القراء وأحفظهم لحروف القرآن كان يختم القرآن في كل ثلاث وكان أضيع الناس لحدوده، ومنها أنه ابتدع إخراج الحصى والرمل من المساجد وفرشها بالبواري، كما روى أن قتادة سجد فدخلت في عينه قصبة وكان ضريراً فقال لعن الله الحجاج ابتدع هذه البواري يؤذي بها المصلين وقد كانوا يستحبون السجود على الأرض والتراب تواضعاً لله تعالى وتخشعاً وذلاً إلى غير ذلك من بدعه التي لم نقصد تعديدها عليه ولا جمعها فهي اليوم سنن معروفة وشرائع مألوفة مع ما أحدث غيره مما يكثر عدده منكر كله عند من عرف المعرو ف من سيرة المتقدمين وشمائل الصالحين.
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: يظهر المنكر والبدع حتى إذا غيّر منها شيء قيل غيّرت السنّة وقال في آخر حديثه: أكيسهم في ذلك الزمان الذي يروغ بدينه روغان الثعالب، وقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه في سنة ثمانين وأيام الحجاج يقول: ما أعرف اليوم شيئاً كان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا قد غيّر إلا شهادة أن لا إله إلا الله قيل: فالصلاة يا أبا حمزة قال: أوليس قد أحدثوا في الصلاة ما علمتم يعني تأخيرها والتثويب قبلها وتعين السلام حتى أنهم يضاهون به الإقامة فجعلوه كالسنّة، وكان يقول للقراء إذا دخلو عليه مثل يزيد الرقاشي وزيد النميري وفرقد السنجي: ما أشبهكم بأصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيفرحون فيقول نعم رؤسكم ولحاكم فهذا كما قال المجنون:
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائه
وعن جماعة من الصحابة: لو نشر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأوكم لما عرفوا شيئاً مما أنتم عليه الآن إلا الصلاة في جماعة، وفي لفظ آخر: إلا أنكم تصلّون جميعاً، وكان الحسن يقول: صحبت طوائف لو رأيتموهم لقلتم مجانين ولو رأوا خياركم لقالوا ما لهؤلاء من خلاق، وقال أبو حازم: أدركت القرّاء وهم القرّاء حقاً ولو كان حامل القرآن في مائة رجل لعرف بشدة تواضعه وحسن سمته وخشوعه وقد وقره القرآن في سمته وقد خضعه القرآن وأخشعه، فأما هؤلاء فو الله ما هم بالقرّاء ولكنهم الجراء، وقد قال بعضهم: كنا نشهد الجنازة فلا نعرف صاحب المصيبة ولا ندري من نعزي من شدة حزن القوم قال: وكان أحدهم يبقى بعد شهود الجنازة ثلاثاً لا ينتفع به، وكان الفضيل رحمه الله يحذّر من قرّاء زمانه فقال: إياك وصحبة هؤلاء القرّاء فإنك إن خالفتهم في شيء كفروك، وقال سفيان الثوري رحمه الله ما شيء أحبّ إليّ من صحبة فتى ولا شيء أبغض إليّ من صحبة قارئ، وكان كثيراً يقول: من لم يحسن يتغنّى لم يحسن يتقرّى،