قيل: يكثر الجور حتى يولد فيه من لا يعرف العدل.
وكان الشعبي رحمه الله يقول: يأتي على الناس زمان يصلون فيه على الحجاج وهذا قد أتى منذ زمان لأن الحجاج قد ابتدع أشياء أنكرها الناس عليه في زمانه هي اليوم سنن معروفة وأعمال مستحسنة يترحم الناس ويغبطن من أحدثها ويحسبون أنه مأجور عليها مشكور له سعيه فيها إلا أنهم لا يعرفون أنه أحدثها فهم وإن لم يفوهوا بالصلاة عليه قولاً فإن استعمالهم لما أحدث واستحسانهم لما ابتدع ترحم منهم عليه، والترحم هو الصلاة، وأيضاً فإنه ابتدع أشياء من الخير وداخله في أبواب الآخرة ثم ظهرت ولاة بعده أحدثوا احداثاً من الجور وابتدعوا بدعاً من الفسوق فصارت سنناً بعدهم فوجب بذلك الصلاة على الحجاج إلى جنب ما أظهر بعده فممّا أحدث هذه المحامل والقباب التي خالف بها هدي السلف بالتنعم والرفاهية وإنما كان الناس يخرجون على الرواحل والزوامل فيضحون للشمس وينصبون في سبيل الله تعالى ويشعثون ويغبرون ويقل أكلهم ونومهم وتكثر رفاهة الإبل وتقل المشقة والحمل عليها فيكون ذلك أثوب لهم وأزكى لحجهم وأدنى إلى السلامة لإبلهم، ويوافقون به سنّة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخرجهم من جميع ذلك بما أدخلهم فيه من بدعته فصاروا يخرجون في بيوت ظليلة مع الحمل على الإبل ما لا تطيق فيكون سبب تلفها فيشركونه فيه ويشركهم بسنته.
وابتدع أيضاً هذه الأخماس والعواشر ورؤوس الآي وحمر السواد وخضره وصفره فأدخل في المصحف ما ليس فيه من الزخرف وكان السلف يقولون: جرّدوا القرآن كما أنزله الله تعالى ولا تخلطوا به غيره، فأنكر العلماء ذلك عليه حتى قال أبو رزين: يأتي على الناس زمان ينشأ فيه نشء يحسبون أن ما أحدث الحجاج في المصاحف هكذا أنزله الله تعالى يذمه بذلك وحتى نقل الاختلاف وأن بعضهم كان لا يقرأ في مصحف منقوط بحمرة لأن بعضهم كان لا يرى القراءة في مصحف منقوط كما نقل أن بعضهم كان يرى شراء المصحف ويكره بيعه أي: وكذلك إذا لم تنقطه أنت فلا بأس أن تقرأ فيما نقطه غيرك، وقد كانوا يكرهون أخذ الأجر على تنقيط القرآن لأجل أنه مبتدع، وقال أبو بكر الهذلي: سألت الحسن رحمه الله عن تنقيط المصاحف بالأجر قال: وما تنقيطها قلت: يعربون الكلم بالعربية فقال: أما إعراب القرآن فلا بأس به، وقال خالد الحذاء: دخلت على ابن سيرين فرأيته يقرأ في مصحف منقوط وقد كان يكره النقط، وقال فراس بن يحيى: وجدت ورقاً منقوطاً بالنحو في سجن الحجاج فعجبت منه وكان أول نقط رأيته فأتيت به الشعبي فأخبرته فقال لي: اقرأ عليه ولا تنقطه أنت بيدك، ومنها أنه جمع من القراء ثلاثين رجلاً فكانوا يعدون حروف المصحف ويعدون كلمه شهراً، ولو رآهم عمر أو عثمان أو علي يصنعون هذا بالقرآن أي يعدون حروفه وكمله لأوجع رؤوسهم ضرباً وهذا