كيف حالك وكيف بت البارحة.
وفي لفظ آخر كيف وجدت أهلك فغضب سلمان وقال: لم يسأل أحدكم فيخفي المسألة وليسأل عما وراء البيوت يكفي أحدكم أن يسأل عن ظاهر الأمر وأما سليمان بن مهران الأعمش فإن رجلاً قال له في منزله: كيف أنت يا أبا محمد؟ قال: بخير قال: كيف حالك؟ قال في عافية، قال: كيف بت البارحة؟ فصاح: يا جارية انزلي بالفراش والمخاد فأنزلت بذلك فقال: افشي واضطجعي حتى أضطجع إلى جنبك لنرى أخانا كيف بت البارحة وكان يقول يلقى أحدهم أخاه فيسأله عن كل شيء حتى عن الدجاج في البيت ولو سأله درهماً ما أعطاه وكان من مضى من السلف إذا لقي أخاه لا يزيد على قولّ: كيف أنتم أو حياكم الله بالسلام، ولو سأله شطر ماله قاسمه، ومن ذلك قول الرجل لأخيه إذا لقيه ذاهباً في الطريق إلى أين تريد أو من أين جئت فقد كره هذا وليس من السنة ولا الأدب وهو داخل في التجسس والتحسس لأن التحسس في الآثار والتجسس في الأخبار وهذا السؤال عن ذلك يجمعهما وقد لا يحب الرجل أن يعلم صاحبه أين يذهب ولا من أين جاء.
وقد كره ذلك مجاهد وعطاء قالا: إذا لقيت أخاك في طريق فلا تسأله من أين جئت ولا أين يذهب فلعله أن يصدقك فتكره ذلك ولعله أن يكذبك فتكون قدحملته عليه وقد كانوا يكرهون بيع المصاحف وشراءها وكان بعضهم لبيعها أكره منه لشرائها، وقد ابتدع الناس علوماً لم تكن تعرف فيما سلف منها: علم الكلام والجدل وعلوم المقايس والنظر والإستدلال على سنن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأدلة الرأي والمعقول ومنها إيثار علم العقل والرأي والقياس على ظواهر القرآن وعلى الأخبار ومنها: إظهار الإشارات بالمواجيد من غير علومها ولا بيان تفصيلها، وفي ذلك تحيير للسامعين وإضلال للعاملين وإنما كان العلماء بهذا العلم يظهرون علوم المواجيد ويخفون الإشارة بالوجد فيظهرون للناس ما ينفع ويخفون ما يضر ولأن المواجيد أحوال قلوبهم فكتمها أفضل وعلومها أنصبة المريدين والعاملين فإظهارها هو البغية لهم فأظهروه وأخفوا وجدهم لأنه سرّ لهم فسلموا من التصنع والدعوى وأعطوا السامعين نصيبهم ومنعوهم ما ليس لهم فعدلوا في الوصفين معاً ففضلوا في الحالين جميعاً فجهل هذا الآن فأظهر ضده وكان إلى الضرر أقرب ومن السلامة أبعد، فمن لم يحسن التفصيل ولم يرزق العبارة فإنه يحسن الصمت فهو واسع إن من لم يتكلم بعلم على سنة فسكوته أقرب له إلى الله تعالى فمثله في ذلك كما قال الله عزّ وجلّ: (ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ الله لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إلاّ ما آتاها) الطلاق: 7، ومما ظهر إظهار علوم المعرفة بمعاني الرغبة ليتميزوا عن الفقراء تكبراً منهم فلا يجعلون مجعلهم فليصرف إليهم من الأسباب على قدر أنسهم وأحوالهم، وهذا من أكبر أبواب الدنيا وأضره على مريدي الآخرة وألطفه تمويهاً في الدين ومنها الكلام