ومن أغلظ ما سمعت فيمن أكل الدنيا بالعلم ما حدثونا عن عتبة بن واقد عن عثمان بن أبي سليمان قال: كان رجل يخدم موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يقول: حدثني موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحدثني موسى نجي الله، حدثني موسى كليم الله، حتى أثرى وكثر ماله ففقده موسى صفي الله فجعل يسأل عنه فلا يحس له أثراً حتى جاءه رجل ذات يوم وفي يده خنزير وفي عنقه حبل أسود فقال له موسى عليه السلام: أتعرف فلاناً قال الرجل: نعم هوذا الخنزير: فقال موسى: يا رب أسألك أن ترده إلى حاله حتى أسأله فيما أصابه هذا فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى لو دعوتني بما دعاني به آدم فمن دونه ما أجبتك فيه ولكني أخبرك لم صنعت به هذا لأنه كان يطلب الدنيا بالدين.
وروينا عن الحسن بأنه انصرف يوماً من مجلسه فأستأذن عليه رجل من أهل خراسان فوضع بين يديه كيساً فيه خمسة آلاف درهم وأخرج من حقيبته رزمة فيها عشرة أثواب من دقيق بر خراسان، فقال الحسن: ما هذا؟ فقال: يا أبا سعيد هذه نفقة وهذه كسوة، فقال له: عافاك الله ضم إليك نفقتك وكسوتك فلا حاجة لنا بذلك، إنه من جلس مثل مجلسي هذا وقبل من الناس مثل هذا لقي الله تعالى يوم القيامة لاخلاق له، وفي خبر: إن العبد لينشر له من الثناء ما بين المشرق والمغرب وما يزن عند الله جناح بعوضة وعلماء الدنيا الطالبون لها بالعلم الآكلون لها بالدين المتخذون الأصدقاء والأخلاء من أبنائها المكرمون المحبون لهم المقبلون بالبشر والبشاشة عليهم هم معرفون في كل زمان بأوصافهم ولحن قولهم وسيماهم، وقد روينا في مقامات علماء السوء حديثاً شديداً نعوذ بالله من أهله ونسأله أن لا يبلونا بمقام منه فرويناه مرة مسنداً من طريق ورويناه موقوفاً على معاذ بن جبل رضي الله عنه وأنا أذكره موقوفاً أحب إليّ، حدثونا عن منذر بن علي عن أبي نعيم الشامي عن محمد بن زياد عن معاذ بن جبل يقول فيه: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووافقته أنا على معاذ قال: من فتنة العالم أن يكون الكلام أحبّ إليه من الاستماع، وفي الكلام تنميق وزيادة ولا يؤمن على صاحبه الخطأ وفي الصمت سلامة وعلم، ومن العلماء من يخزن علمه فلا يحب أن يوجد عند غيره فذلك في الدرك الأوّل من النار، ومن العلماء من يكون في علمه بمنزلة السلطان فإن رد عليه شيء من علمه أو تهاون بشيء من حقه فغضب فذلك في الدرك الثاني من النار، ومن العلماء من يجعل حديثه وغرائب علمه لأهل الشرف واليسار ولا يرى أهل الحاجة له أهلاً فذلك في الدرك الثالث من النار، ومن العلماء من ينصب نفسه للفتيا فيفتي بالخطا والله عزّ وجلّ يبغض المتكلفين فذلك في الدرك الرابع من النار، ومن العلماء من يتكلم بكلام اليهود والنصارى ليغزر به علمه فذلك في الدرك الخامس من النار، ومن العلماء من يتخذ علمه مروءة ونبلاً وذكراً في الناس فذلك في الدرك السادس من النار، ومن العلماء من يستفزه الزهو