المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وهؤلاء ليسوا أمثالهم في الخلقة ولا بينهم أبوة ولا أمومة لأن الشياطين من ولد إبليس والمبذرين أولاد آدم عليه السلام، ولكن تشابهت قلوبهم في المواجيد والأخلاق والأفعال، فآخى بينهم للتشابه، فمن كان من علماء الآخرة فعقله يستضيء من أنوار قلبه وفهمه ينبئ عن استنباط علمه ومشاهدته وأخلاقه على معاني يقينه وقوته وطريقه وسلوكه في منهاج سنته وسبيله فهو من إخوانه وإخوان النبيين الذين اشتاق إلى رؤيتهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم الغرباء بين الملأ الذين قال بدا الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء قيل: ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، وفي لفظ آخر الذين يصلحون ما أفسده الناس من سنتي والذين يحيون ما أمات الناس من سنتي يعني أنهم يظهرون طريقته التي تركها الناس وجهلوها، وفي خبر آخر: هم المتمسكون بسنتي وما أنتم عليه اليوم، وفي حديث آخر: الغرباء ناس قليلون صالحون بين ناس سوء كثيرين من يبغضهم أكثر ممن يحبهم، فهؤلاء الغرباء الذين قد أنعم الله عليهم بمرافقة النبيين في أعلى عليين فقال مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين إلى قوله رفيقاً، وقد كان الثوري يقول: إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء فأعلم أنه مخلط، وقال أيضاً إذا رأيت الرجل محبباً إلى إخوانه محموداً في جيرانه فأعلم أنه مراء، وقد وصف الله تعالى علماء السوء بأكل الدنيا بالعلم ووصف علماء الآخرة بالخشوع والزهد فقال تعالى في علماء الدنيا: (وإذْ أخذاللهُ مِيثاق الذين أُوتُوا الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلْنَّاس ولا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وراءَ ظُهُورِهِمِ واشتَرَوْا بهِ ثًمناً قليلاً) آل عمران: 187، وقال في نعت علماءالآخرة: (وإنَّ مِنْ أهْلِ الكِتابَ لَمَن يُؤمْنُ بِالله وما أُنْزل إليْكُم) آل عمران: 199 إلى قوله: (لَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِم) آل عمران: 199
وقد روينا عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: علماء هذه الأمة رجلان، فرجل آتاه الله علماً فبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعاً ولم يشتر به ثمناً فذاك يصلي عليه طير السماء وحيتان الماء ودواب الأرض والكرام الكاتبون يقدم على الله تعالى يوم القيامة سيداً شريفاً حتى يرافق المرسلين، ورجل أتاه الله تعالى علماً في الدنيا فضنّ به عن عباد الله عزّ وجلّ وأخذ عليه طمعاً واشترى به ثمناً يأتي يوم القيامة ملجماً بلجام من نار ينادي مناد على رؤوس الخلائق: هذا فلان بن فلان آتاه الله تعالى علماً في الدنيا فضنّ به على عبادالله تعالى وأخذعليه طمعاً واشترى به ثمناً يعذب حتى يفرغ من حساب الناس،