باب ذكر الفرق بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة وذم علماء السوء الآكلين

باب ذكر الفرق بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة وذم علماء السوء الآكلين بعلومهم الدنيا

وقد فرقت العلماء بين العلم بالله تعالى وبين العلم بأمر الله تعالى وفرقوا بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة، فقال سفيان: العلماء ثلاثة، عالم بالله وبأمر الله فذلك العالم الكامل، وعالم بالله تعالى فذاك التقيّ الخائف، وعالم بأمر الله تعالى غير عالم بالله تعالى فذاك العالم الفاجر، وقيل أيضاً: عالم لله تعالى وهو العامل بعلمه، وعالم بأيام الله تعالى وهو الخائف الراجي، وسئل سفيان عن العلم ما هو؟ فقال هو الورع، قيل: وأي شيء هو الورع؟ فقال: طلب العلم الذي يعرف به الورع وهو عند قوم طول الصمت وقلة الكلام وما هو كذلك إنما هو المتكلم العالم عندنا افضل من الصامت.

وروينا عن لقمان في وصيته: للعلم ثلاث علامات، العلم بالله وبما يحبه الله تعالى وبما يكره فجعل حقيقة العلم ودليل وجوده هذه الثلاث، ومما يدلك على الفرق بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة أن كل عالم بعلم إذا رآه من لا يعرفه لم يتبين عليه أثر علمه ولا عرف أنه عالم إلا العلماء بالله عزّ وجلّ فإنما يعرفون بسيماهم للخشوع والسكينة والتواضع والذلة، فهذه صبغة الله تعالى لأوليائه ولبسته للعلماء به، ومن أحسن من الله صبغة فمثلهم في ذلك كمثل الصناع إذ كل صانع لو ظهر لمن لا يعرفه لم يعرف صنعه دون سائر الصنائع ولم يفرق بينه وبين الصناع إلا الصناع، فإنه يعرف بصنعته لأنها ظاهرة عليه إذ صارت له لبسة وصفةلالتباسها بمعاملته، فكانت سيماه كما قيل: ما ألبس الله تعالى عبداً لبسة أحسن من خشوع في سكنية هي لبسة الأنبياء وسيما الصديقين والعلماء فاعلم الناس بلطف ما يحب الله تعالى وخفي ما يكره أهل القلوب الفاقهة عن الله تعالى وهم العارفون به، وقد كان سهل رحمه الله يقول: العلماء ثلاثة، عالم بالله تعالى، وعالم لله تعالى وعالم بحكم الله تعالى يعني العالم بالله تعالى العارف الموقن، العالم لله عزّ وجلّ هو العالم بعلم الإخلاص والأحوال والمعاملات، والعالم بحكم الله تعالى هو العالم بتفصيل الحلال والحرام فسرنا ذلك على معاني قوله ومعرفة مذهبه، وقد قال مرة في كلام أبسط من هذا: عالم بالله لا بأمر الله ولا بأيام الله وهم المؤمنون، وعالم بأمر الله لابأيام الله وهم المفتون في الحلال والحرام، وعالم باللّّه تعالى عالم بأيام الله وهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015