استوحش منه الغافلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك أولياء الله من خلقه وعماله في أرضه والدعاة إلى دينه، ثم بكى وقال: واشوقاه إلى رؤيتهم فهذه كلها أوصاف علماء الآخرة وهذه نعوت علم الباطن وعلم القلوب لا علم الألسنة وكذلك وصفهم معاذ بن جبل رضي الله عنه في وصف العلم بالله تعالى.
فيما رويناه من حديث رجاء بن حيوة بن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ قال: تعلّموا العلم فإن تعلّمه لله خشية وطلبه عبادة ومدراسته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه وبذله لأهله قربة وهو الأنيس في الوحدة والصاحب في الخلوة والدليل على السرّاء والضرّاء والزين عند الإخلاء والقريب عند الغرباء ومنار سبيل الجنة يرفع الله تعالى به أقواماً فيجعلهم الله في الخيرقادة وهداة يقتدي بهم أدلة في الخير تقتص آثارهم وترمق أعمالهم ويقتدى بفعالهم وينتهي إلى رأيهم وترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم حتى كل رطب ويابس لهم مستغفر حتى حيتان البحر وهوامه وسابع البر ونعامه والسماء ونجومها لأن العلم حياة القلوب من العمى ونور الأبصار من الظلم وقوّة الأبدان من الضعف يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلى والتفكر فيه يعول بالصيام ومدارسته بالقيام به يطاع الله تعالى وبه يعبد وبه يوحد وبه يتورع وبه توصل الأرحام العلم إمام والعمل تابعه تلهمه السعداء وتحرمه الأشقياء، فهذه أوصاف علماء الآخرة ونعت العلم الباطن.
وقد كان من أفضل الأمراء بعد الخلفاءالأربعة: عمر بن عبد العزيز فحدثونا عن زكريا بن يحيى الطائي قال: حدثني عمي زجر بن حصين أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الحسن رحمهما الله: أما بعد فأشر علي بقوم أستعين بهم على أمر الله تعالى فكتب إليه: أما أهل الدين فلن يريدوك وأما أهل الدنيا فلن تريدهم ولكن عليك بالأشراف فإنهم يصونون شرفهم أن يدنسوه بالخيانة، وكان الحسن يتكلم في بعض علماءالبصرة ويذمهم وكان أبو حازم وربيعة المدنيان يذمان علماء بني مروان، وقد كان الثوري وابن المبارك وأيوب وابن عون يتكلمون في بعض علماء الدنيا من أهل الكوفة، وكان الفضيل وإبراهيم ابن أدهم ويوسف بن أسباط يتكلمون في بعض علماءالدنيا من أهل مكة والشام كرهنا تسمية المتكلم فيهم لأن السكوت أقرب إلى السلامة، وكان بشر يقول: حدثنا باب من أبواب الدنيا فإذا سمعت الرجل يقول: حدثنا فإنما يقول: أوسعوا لي، وقدكان سفيان الثوري إمامه من قبله يقول لأهل علم الظاهر: طلب هذا ليس من زاد الآخرة، وقال ابن وهب ذكر طلب العلم عند مالك، فقال: إن طلب العلم لحسن، وإن نشره لحسن إذا صحت فيه النية ولكن انظر ماذا يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي ومن حين تمسي إلى حين تصبح فلاتؤثرن عليه شيئاً.