والنفس وهذا علامة القرب وهو حال المقربين وقد ترد خواطر العدوّ ووساوسه بالخير والبر ابتلاء من الله تعالى لعبده وحيلةً من العدوّ ومكراً من النفس يريد العدوّ بذلك الشر أو يخرجه آخر إلى إثم أو خير ليقطعه بذلك عن واجب أو يشغله به عن الأفضل في الحال فيكون ظاهره براً وباطنه إثماً ويكون أوّله خيراً وآخره إثماً، وبغية العدوّ من ذلك باطنه وآخره، وشهوة النفس في ذلك هواها ومناها قد لبسا ظاهره بالخير تزييناً وموّها أوّله بالبر تحسيناً وهذا من أدق ما يبتلى به العاملون ولا يعرف بواطنه وسرائره إلا العالمون.
فأما خاطر الملك فلا يرد إلا بخبر صريح وبر محض على كل حال إذا ورد لأن الخداع والحيلة ليس من وصف الملائكة ولكن قد تنقطع خواطر الملك من القلب إذا اشتدت قسوته ودامت معصيته من المتعبدين فيخلى بين القلب وبين نوازع العدوّ اللعين ويتخلى العدوّ بهوى النفس فيستحوذ ويقترن بالعبد نعوذ بالله من إبعاده وعدم خيره وإرشاده ولايزال العبد مع إلهام الملك في مقام الإيمان، فإذا رفع إلى مقام اليقين تولاه الله تعالى بواسطة أنوار الروح، فكان الروح مكان إلقاء الحق حتى يرد عليه من الله تعالى بواسطة أنوار الروح، من السرائر ما لا يطلع عليه الملك ولا يكون ذلك حتى تفنى خواطر النفس بالهوى ولا تبقى منها باقية، وتطوى النفس فتندرج في الروح فلا يظهر منها داعية ثم يتولاه الله تعالى بنور اليقين فيسطع له نور اليقين من خزانة الغيب المحجوب بمكاشفات الجبروت فيشهد العبد شهادة الحق بالحق معاينة الغيب بفقد كونه ووجد كينونته وما لا يصلح بعد ذلك كشفه إلا لأهله أو لمن سأل عنه، وهذا يكون في مقام التوحيد وهذا أنصبة المقربين.
وكل عمل وإن قل لا بدَّ فيه من ثلاثة معانٍ قد استأثر الله تعالى بتوليها أوّلها التوفيق وهو الإتفاق أن يجمع بينك وبين الشيء ثم القوّة وهو اسم لثبات الحركة التي هي أوّل العقل ثم الصبر وهو تمام الفعل الذي به يتم، فقد رد الله عزَّ وجلَّ هذه الأصول التي يظهر عنها كل عمل إليه، فقال سبحانه: (وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بالله) هود: 88، وقال: (مَا شاءَ اللهُ لاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ) الكهف: 39، وقال عزّ وجلّ: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلاّ بِالله) النحل: 127، وقد أجمل الله عزّ وجلّ ذكر تقليب الكون بمشيئته في قوله تعالى: (يُقَلِّبُ الله اللَّيْلَ والنَّهَارَ) النور: 44، والمعنى بما فيهما لأنهما ظرفان للأشياء فعبر عنهما بهما كقوله تعالى: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ والنَّهَارَ) سبأ: 33، والمعنى مكركم في الليل والنهار فعبر بهما عن مكرهم لأنهما مكان لمكرهم، وكذلك قوله تعالى: (وَلَهُ ما سَكَنَ في اللَّيْل والنَّهَارِ) الأنعام: 13 فيها وجهان أحدهما أي ما أقام من السكن والثاني ما سكن من السكون وإنما