حب الطاعة كما أن العدو مجبول على الغواية مطبوع على حب المعصية فيلقي الملك الإلهام وهو خطوره على القلب بقدح خواطره يأمر بتقييد ذلك ويحسنه له ويحثه عليه وهذا هو إلهام التقوى والرشد وينظر الملك إلى اليقين كما ينظر العدو إلى النفس فيشهد اليقين للملك بذلك فيطمئن العقل ويسسكن إلى شهادة اليقين ويصير العقل الآن بإذن الله تعالى مع الملك بتأييد الله تعالى كما كان مع النفس أول مرة مطمئناً إليها فينشرح الصدر لطمأنينة العقل فتظهر أدلة العلم لانشراح الصدر فيقوى سلطان اليقين لصفاء الإيمان وتندرج ظلمة الهوى في نور اليقين وتنطفئ شعلة الشهوة لظهور نور الإيمان ويزين الإيمان بزينة الحياء فتضعف صفات النفس لسقوط الشهوة ويقوى القلب لضعف النفس ويزيد الإيمان بقوّة اليقين وظهور أدلة العلم فتغلب الهدايةلمزيد الإيمان ولبسة الحياء فتظهر الطاعة لغلبة الحق والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وقد تختلف اللمتان من الملك والعدوّ ويتفاوت الإلهام والوسوسة في المعاني من الخير والشر، فربما تقدمت لمة العدوّ بالأمر بالشر وتقدح بعدها لمة الملك نصرة للعبد وتثبيتاً على الخير وعناية من الرب تعالى فينهي عن ذلك، فعلى العبد أن يعصي الخاطر الأوّل ويطبع الخاطر الثاني، وقديتقدم إلهام الملك بالأمر بالخير ثم يقدح بعده خاطر العدوّ بالنهي عنه والتثبيط والإملاء فيه بالتأخير محنة من الله تعالى للعبد لينظر كيف يعمل وحسداً من العدوّ فعليه أن يطيع الخاطر الأوّل ويعصي الخاطر الثاني، ثم تدق الخواطر من إلهام الملك بالخير ومن وسوسة العدوّ بالشر، وقد يتفاوت ذلك من ضعف خاطر الخبر لقوّة الرغبة في الدنيا ومن قوّة خاطر الشر لقوّة الشهوة والهوى وفي المزيد والنقص منهما والتقديم والتأخير بهما لتفاوت الأحكام والإرادة من الحاكم ومن قبل تقليب القدرة وغرائب الأحكام بالمشيئة لأن له في خزانة الخير خزانة الشر إذا شاء وله في خزانة الشر خزائن الخير إذا أحب لمن يحبه لئلا يسكن إلى سواه ولا يدل العبد بما منه أبداه، فإذا شهد العارف ذلك لم يقطع بخير ولم يدل به أبداً لأنه لا يأمن مكر الله تعالى بتقليب خزائن الشر من خزائن الخير إذا عليه أبداه ولم ييأس من شر عليه أبداه لأنه يرجو تقليب خزائن الخير من خزئان الشر فيكون بين الخوف والرجاء ولا يدرك ذلك إلا بدقائق العلوم ولطائف الفهوم وغوامض الفطن وصفاء الأنوار من تعليم الرحيم الجبار، فما كان للعبد يجد بعد خطرة الشر خطرة خير منها تنهاه عنها فهو منظور إليه متدارك وهذا هو الواعظ القائم في القلب والزاجر المؤيد للعقل، وقد تترادف خواطر الشر من النفس والهوى فلا يتعاقبها خاطر خير من الملك وهذا علامة البعد ونهاية قسوة القلب، وقد تتابع خواطر الخير والبر من الروح والملك ويعافى العبد من خاطريالهوى