لتحقيق قوله: (فَاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) النحل: 43 ولتصديق قوله الرحمن فاسأل به خبيراً والله تعالى هو المسير الأوّل والمبين الآخر إلا أن السير والسؤال على العبد والهدى والبيان على الهادي المبين، كما قال: (قُلْ سيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا) النمل: 69 وقال تعالى: (فَإنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أنْزَلْنَا إلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ) يونس: 94 الآية، ثم قال: (إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) القيامة: 19 إن علينا للهدى وعلى الله قصد السبيل كذلك سننه التي قد خلت من

قبل ولا تبديل لها ولا تحويل، ألم تسمع قول الله تعالى: (وَعَلَّم آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا) البقرة: 31 فهذا هو المجتبي للتعليم الآخذ نصيبه من الله عزّ وجلّ بتفهيم المصطفى لمكان التخصيص، ثم قال: (يَا آدَمُ أنْبِئْهُمْ بأسْمَائِهِم) البقرة: 33، فلما أنبأهم بأسمائهم ترك آدم ورد إليه وذكر نفسه بالعلم منه بعد أن دلّ بالواسطة عليه، فقال: ألم أقل لكم إني أعلم ولم يقل إن آدم يعلم فأخذ آدم نصيبه من رازقه بقلبه لمكان رتبته وأخذت الملائكة أنصبتها من الله عزّ وجلّ من نصيب آدم بواسطته والله هو الرزاق ذو القوة المتين كما هو الخلاّق، هل من خالق غير الله يرزقكم؟ والعبيد يأخذون أنصبتهم بأقسامهم من حيث هي طرق وسبب لهم، وهذا حينئذ أول المحاسبة عن مشاهدة حسيب، والتحقيق بالمحاسبة هو أول المراقبة عن رؤية رقيب، والمقام من المراقبة هو حال من أحوال الموقنين، وعلم اليقين هو آخر علم الإيمان وآخر نصيب العبد من علم اليقين أعني نهايته أول عين اليقين وهو شهادة المعرفة والمعرفة على هذا الوصف أول المشاهدة؛ وهذا هو مقام المقربين أعني بمشاهدة وصف قريب يحيط ببعد النفس فيستولي عليها فيغيب بعدها في قربه وينتبه عقله تحت ظنه وتنطوي حكمته في قدرته كمحو نور القمر في ضياء الشمس والله غالب على أمره وعلم معاني الأسماء والصفات وتعريف الأخلاق وباطن أحكام الذات يكون في مقامات القرب بمرآة نور الوجه فيرفع نور حكم المكان ويشهد كأن رفع كون المرآة ويشهد الوجه بنورها وتغيب المرآة عن كونها فيكون العبد قائماً بقصر قيوميته فيصير العبد شبه ميتة مشاهداً بحيطة قربه لا بكونه كما يشهد الوجه بنور المرآة لا بجسمها ولا يكون هذا إلا بعد معاينة وصف وبعد حسن المراقبة في جميع المعاملة وحسن الأدب في محاضرة الرب بتنفييذ خواطر الخبر وسرعة نفي خواطر السر حتى لا يبقى شئ منها وهذا حال المشاهدة والقرب، وذلك يخرج العبد إلى صفاء القلب بعلم اليقين، وصفاء القلب يرفعه مقامات في مشاهدة العين حتى لا يخطر بقلبه إلا خاطر حق فإن عصاه عصى الحق وفي ترك هذا والغض عنه كدر القلب وفي كدره ظلمته وذلك مقامات في القسوة وهي أول البعد وبلغني أن ما من فعلة وإن صغرت إلا وينشر لها ثلاثة دواوين: الديوان الأول لِمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015