فاتبعه، وأمر استبان غيّه فاجتنبه، وأمر أشكل عليك فكله إلى عالمه، وقد كان من دعاء عليّ رضى الله عنه: اللهم إني أعوذ بك أن أقول في العلم بغير علم فنعمة الله سبحانه تعالى في كشف الباطل باطلاً وبيان الضلال ضلالاً مثل نعمه في إظهار الحق وبيان الصدق لأنه باب من اليقين،، ولذلك تجمل الله به على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعله من تفصيل آياته في قوله سبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمين) الأنعام: 55 فنصب سبيل على إضمار اسمه ورفعه على كشف دلالاته وتبيان طرقه وقد وعد الله ذلك للمتقين وقدمه على تكفير السيئات والمغفرة وأخبر أن ذلك من الفضل العظيم في قوله عزّ وجلّ: (يَاأيُّها الَّذين آمَنُوا إنْ تَتَّقوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانَاً وَيُكَفِّرّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُم) الأنفال: 29 أي نوراً في قلوبكم تفرقون به بين الشبهات ومثله، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً أي من كل أمر أشكل على الناس ورزقه من حيث لا يحتسب علم بغير تعليم بل إلهام وتوفيق من لدن الخبير العليم، وقد وعد ذلك المؤمنين عند اختلاف العلماء للبغي بينهم وهو الكبر والحسد، وحرم ذلك المنافقين الذين لايصدقون بالآيات والقدر والغائبات فقال عزّ وجلّ في ذلك: (وَمَا اخْتَلَفَ فيهِ إلاَّ الَّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الَبِّينَات بَغْياً بَيْنَهُمْ) البقرة: 213 فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فصنع الهداية للحق أن يكشف الحق إذا هدي التقى له ما يبدئ الباطل للابتلاء وما يعيد على العبد من الأحكام، وقد يكون الباطل اسماً للعدوّ ويكون وصفاً للنفس ألم تسمع قوله عزّ وجلّ: (قُلْ جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدئُ البَاطِلُ وَمَا يُعيدُ) سبأ: 49 أي: لما جاء الحق أبدى الباطل وأعاده فأظهر حقيقة الأمر بدءاً وعوداً وقد قيل إن الباطل يعني به إبليس ههنا فتدبروا وقال: (إنَّ الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بآيات اللّّه لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) النحل: 104 وكما أن الله عزّ وجلّ في البيان نعمة لأنه لاتقع إلا بقدرة كما قال: فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير فكذلك على العبد فيه شكر وقد يكون سبباً للإنعام بالبيان وعلى الله المزيد على الشكر، كما قال: (كَذَلِكَ يُبِيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) المائدة: 98، وقال في تحقيق الشكر بالمزيد للشاكرين على التصريف: (كَذَلِكَ نُصَرِّف الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُون) الأعراف: 58 فإذا وقف العبد في الشبهات عن الإمضاء وأوقف الخاطر على الابتداء حتى يكشفه الله عزّ وجلّ له بمزيد علم أو قوة يقين أو كشف حجاب الهوى فقد وفق للصواب وهو من معنى قوله عزّ وجلّ: (آتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ) ص: 20 وداخل في قوله: (وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كثيراً) البقرة: 269 هذا إذا لم يرد بالطلب ولم يجعل لعالم آخر فيه مكان كشفه للعبد بوصفه فإذا أراده بالطلب لأوليائه وجعل للعلماء مكاناً للدلالة عليه اضطره أن يسأل عالماً بالله وبباطن أحكامه عارفاً بلطيف حجابه وخفي كشفه فيكشف له على لسانه إذا لم يكن العبد ممن يكاشف بقلبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015