أطلقت للعامة زالت الكراهة عنها وإن خصّ بها أولياء السلطان تركت عليهم فإن صلّى سبعاً يصلّي فيها فإن بعض العلماء كره الصلاة في فناء المنبر من قبل أن المنبر يقطع الصفوف وكان عندهم أن تقدمة الصفوف إلى فناء المنبر بدعة وكان الثوري يقول: الصف الأول: هو الخارج من بين يدي المنبر ومن خشي الفتنة والآفة في قربه من الإمام بأن يسمع ما يجب عليه إنكاره أو يرى ما يلزم الأمر فيه أو النهي عنه من لبس حرير أو لبس ديباج أو الصلاة في السلاح الثقيل للشغل كان بعده من الصفوف المقدمة أصلح لقلبه وأجمع لهمه لقلة ملاقاة الناس ولترك النظر إليهم، فالأصلح للقلب والأجمع للهم هو الأفضل حينئذ وقد كان جماعة من العلماء والعباد يصلون في أواخر الصفوف إيثاراً للسلامة وقيل لبشر بن الحرث: نراك تبكر يوم الجمعة وتصلي في أواخر الصفوف فقال: يا هذا إنما نريد قرب القلوب لا قرب الأجساد، ونظر سفيان الثوري إلى شعيب بن حرب عند المنبر يستمع إلى خطبة أبي جعفر فلما جاءه بعد الصلاة قال: شغل قلبي قربك من هذا هل أمنت أن تسمع كلاماً يجب عليك إنكاره فلا تقوم به ثم ذكر ما أحدثوا من لبس السواد قلت: يا أبا عبد الله أليس في الخبر إذن واستمع فقال ويحك ذاك للخلفاء الراشدين المهديين فأما هؤلاء فكلما بعدت عنهم ولم تنظر إليهم كان أقرب لك إلى اللَّّْه عزّ وجلّ.
وقد روينا عن أبي الدرداء فضيلة في الصف المؤخر قال سعيد بن عامر صليت إلى جنبه فجعل يتأخر في الصفوف حتى كنا في آخر صف فلما صلْينا قلت له أليس يقال خيراً الصفوف أوّلها قال: نعم إلا أن هذه أمة مرحومة منظور إليها من بين الأمم وإن اللَّه عزْ وجلْ إذا نظر إلى عبد منهم في الصلاة غفر لمن وراءه من الناس فإنما تأخرت رجاء أن تغفر لي بواحد منهم ينظر اللَّه إليه وقد رفعه بعض الرواة أن أبا الدرداء سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول ذلك: والصدقة مستحبة مفضلة يوم الجمعة خاصة فإنها تضاعف إلا على من سأل والإمام يخطب وكان يتكلم في كلام الإمام فهذا مكروه قال صالح بن أحمد: سأل مسكين يوم الجمعة والإمام يخطب وكان بجنب أبي فأعطاه رجل قطعة ولم يعرفه ليناوله إياها فلم يأخذها منه أبي وقال ابن مسعود: إذا سأل الرجل في المسجد فقد استحق أن لا يعطى وإذا سأل على القرآن فلا تعطوه، ومن العلماء من كره الصدقة على سؤال الجامع الذين يتخطون رقاب الناس إلا أن يسأل قائماً من غير أن يتخطّى المسلمين أو قاعداً في مكان.
وروينا عن كعب الأحبار: من شهد الجمعة ثم انصرف يتصدق بشيئين مختلفين من الصدقة ثم رجع فركع ركعتين يتم ركوعهما وخشوعهما وسجودهما ثم يقول: اللهم إني أسألك باسمك بسم اللَّه الرحمن الرحيم وباسمك الذي لا إله إلاّ هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولانوم لم يسأل اللَّه عزّ وجلّ شيئاً إلا أعطاه، وقد روينا عن بعض السلف على غير هذا الوصف قال: من أطعم مسكيناً في يوم