الفصل الحادي والعشرون
كتاب الجمعة
صلاة الجمعة واجبة بأوصاف وساقطة بأوصاف فوجوبها يكون بالإقامة والاستطاعة وحضور وقت الظهر وتكملة عدة أربعين رجلاً أحراراً وسقوطها بالسفر ودخول وقت العصر ونقصان العدد ووقوع العذر وهي من أعمال الأمراء تصلي خلف كل من أقام بها منهم إلا اني أحب إعادتها ظهراً إذا صلّيت خلف مبتدع فإن اجتمع في بلد كبير جامعان صليت خلف الأفضل من إماميهما، فإن استويا في الفضل صلّيت في القديم من الجامعين، فإن تساويا صلّيت في الأقرب منهما إلا أن تكون له نيّة في الأبعد لاستماع علم أو نشره أو تعلّمه، فصلاتها في الجامع الأعظم وحيث يكون المسلمون أكثر وأفضل، ومن صلّى في أيهما أحب حسبت صلاته، قال ابن جريج: قلت لعطاء إذا كان في المصر جامعان أو ثلاثة في أيها أصلّي؟، قال: صلِّ حيث جمع المسلمون فإنها جمعة وهو يوم عظم الله تعالى به الإسلام وزينه وشرف به المسلمين وفضلهم قال عزّ وجلّ: (يَاأَيُّهَا الَّذين آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْع) الجمعة: 9 الآية، فالبيع والشراء محرم بعد الأذان للجمعة عند طائفة من العلماء لعموم النهي عنه، ومنهم من قال: يرد البيع لأنه فاسد إلا أني أحسب أن ذلك يحرم عند الأذان الثاني وهو مع خروج الإمام إذا قعد على المنبر لأن هذا كان هو الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والأذان الأوّل أحدثه عثمان رضي الله عنه لما كثر الناس، وقال الله عزّ وجلّ: (فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله) الجمعة: 01 الآية، فأمر عباده المؤمنين في يوم الجمعة بالذكر له ونهاهم عن البيع وأمرهم فيه بطلب الفضل منه ووعدهم الخير والفلاح وهما اسمان جامعان لغنيمة الدنيا والآخرة.
وروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الله عزّ وجلّ فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في مقامي هذا وروي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر طبع الله على قلبه، وفي لفظ حديث آخر فقد نبذ الإسلام وراء ظهره واختلف رجل إلى ابن عباس فسأله عن