أخطار البيئة المجاورة وفوق ذلك التعاون في زراعة الأرض، ومع ذلك فإن هناك محلات عمرانية لم يكن عنصر تحقيق الأمن السبب الرئيسي في نشأتها واندماجها، ذلك لأن مواقع القرى في العصر الحجري الحديث كان يحدده موقع الأرض الخصبة والتي تسهل فلاحتها، ومن ثم فإن موضع القرية البيئي هو المحور الرئيسي لاندماجها.
وتختلف القرى المندمجة حسب الحجم اختلافا كبيرا تبعا لطبيعة وموارد البيئة المجاورة، فعندما تكون فقيرة في مواردها تكون القرى صغيرة في أحجامها، فعلى حافات الصحاري تتكون القرية من عدة أكواخ قد تصل إلى ستة أو سبعة، ومن ناحية أخرى فإن البيئة الغنية بالموارد الحيوانية والنباتية تكون قراها كبيرة الحجم، كما في قرى جماعات الهوتنتوت الذين يعيشون على الصيد والجمع والرعي البدائي والتي تتكون من حوالي مائة كوخ.
على أنه ينبغي القول بأن ثروة البيئة أمر متغير وليس ثابتا، وتعتمد على مواهب السكان في استغلالها، فالزراعة الكثيفة في السهول الفيضية مثلا تمثل استغلالا متقدما للتربة، وأسهمت بدورها في خلق عدد كبير من القرى الكبيرة وارتبط ذلك بطبيعة الحال بخصوبة التربة وتوفر موارد المياه والعوامل الطبيعية الملائمة للزراعة من ناحية ونمو وتزايد أعداد السكان من ناحية أخرى.
وتبدأ القرية في التضخم السكاني وبالتالي في اتساع رقعتها العمرانية وظهور توابع صغيرة لها أو قرى ترتبط بها وتسير في مراحل نموها السابقة مع تباين في ظروف الموضع بطبيعة الحال، يمكن تتبع ذلك بسهولة بأسماء القرى الجديدة، والتي غالبا ما تحمل اسما معدلا للقرية الأم، وعلى ذلك فعندما يستقر نظام زراعي دائم تبدأ القرى المندمجة في الظهور ولعل في مصر مثل واضح على ذلك حيث يعيش ما يقرب من 60% من سكانها في قرى كبيرة أو متوسطة الحجم.
والقرية المصرية -خلية أولية- تكاد تمثل امتداد رأسيا للأرض السوداء الأفقية، فجسمها من تربة مصر مباشرة كما تقوم دائما على ربوة اصطناعية مرفوعة محدبة كالصحن المقلوب حماية من الفيضان، وهي تكاد تكون