فهؤلاء وقعوا في المخالفة بسبب ظن الجهل علمًا، فليسوا من الراسخين في العلم ولا ممن صار لهم كالوصف، وعند ذلك لا حفظ لهم في العلم فلا اعتراض بهم فأما من خلا عن هذه الأوجه الثلاثة فهو الداخل تحت حفظ العلم حسبما نصته الأدلة، وفي هذا المعنى من كلام السلف كثير وقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال1: "إن لكل شيء إقبالًا وإدبارًا وإن لهذا الدين إقبالًا وإدبارًا، وإن من إقبال هذا الدين ما بعثني الله به حتى إن القبيلة لتتفقه من عند أسرها، أو قال آخرها حتى لا يكون فيها إلا الفاسق أو الفاسقان فهما مقموعان ذليلان إن تكلما أو نطقا قمعا وقهرا واضطهدا" الحديث وفي الحديث2: "سيأتي على أمتي زمان يكثر القراء ويقل الفقهاء ويقبض العلم ويكثر الهرج" إلى أن قال: "ثم يأتي من بعد ذلك زمان يقرأ القرآن رجال من أمتي لا يجاوز تراقيهم ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل المنافق المشرك يمثل ما يقوله" وعن علي: "يا حملة العلم اعملوا به فإن العالم من علم ثم عمل ووافق عليه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم تخالف سريرتهم علانيتهم ويخالف علمهم عملهم يقعدون حلقا يباهي بعضهم بعضًا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم تلك إلى الله عز وجل" وعن ابن مسعود: "كونوا للعلم وعاة ولا تكونا له رواة فإنه قد يوعى، ولا يروى وقد يروى ولا يوعى" وعن أبي الدرداء: "لا تكون تقيًّا حتى تكون عالمًا، ولا تكون بالعلم جميلًا حتى تكون به عاملًا" وعن الحسن: "العالم الذي وافق علمه عمله ومن خالف علمه عمله فذلك راوية حديث سمع شيئًا فقاله". وقال الثوري: "العلماء إذا علموا عملوا فإذا عملوا شغلوا فإذا شغلوا فقدوا فإذا فقدوا طلبوا فإذا طلبوا هربوا" وعن الحسن قال: "الذي يفوق الناس في العلم جدير أن يفوقهم في العمل" وعنه في قول الله تعالى: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُم} قال: علمتم فعلتم ولم تعملوا فوالله ما ذلكم بعلم! وقال الثوري: "العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل" وهذا تفسير معنى كون العلم هو الذي يلجئ إلى العمل، وقال الشعبي: