الأول: مجرد العناد، فقد يخالف فيه مقتضى الطبع الجبلي، فغيره أولى؛ وعلى ذلك دل قوله تعالى1: {وَجَحَدُوا بِهَا} الآية وقوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} وأشباه ذلك، والغالب على هذا الوجه أن لا يقع إلا لغلبة هوى من حب دنيا أوجاه أو غيره ذلك، بحيث يكون وصف الهوى قد غمر القلب حتى لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرا.

الثاني: الفلتات الناشئة عن الغفلات التي لا ينجو منها البشر، فقد يصير العالم بدخوله الغفلة غير عالم وعليه يدل عند جماعة قوله تعالى2: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} الآية. وقال تعالى3: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} ومثل هذا الوجه لا يعترض على أصل المسألة كما لا يعترض نحوه على سائر الأوصاف الجبلية فقد لا تبصر العين ولا تسمع الأذن لغلبة فكر أو غفلة أو غيرهما فترتفع في الحال منفعة العين والأذن حتى يصلب، ومع ذلك لا يقال إنه غير مجبول على السمع والإبصار فما نحن فيه كذلك.

الثالث: كونه ليس من أهل هذه المرتبة، فلم يصر العلم له وصفًا أو كالوصف مع عده من أهلها وهذا يرجع إلى غلط في اعتقاد العالم في نفسه أو اعتقاد غيره فيه، ويدل عليه قوله تعالى4: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّه} . وفي الحديث5: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس" إلى أن قال: "اتخذ الناس رؤساء جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" وقوله6: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرفة أشدها فتنة على أمتي الذين يقيسون الأمور بآرائهم" الحديث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015