الآخر، فقال النبي لعدي1: "إن وسادك إذن لعريض، إنما هو بياض النهار وسواد الليل" فأشار إلى عدم فقهه لمعنى الكلام ولم يرتب على هذا الفعل ذم من أفطر في رمضان، وإن كان من أعظم الكبائر بخلاف الذين أفتوا المشجوج في البرد بوجوب الغسل فاغتسل فمات فإنه قال2: "قتلوه قتلهم الله هلا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العِيِّ السؤال" فإن هؤلاء أخطئوا بغير اجتهاد إذ لم يكونوا من أهل العلم وكذلك لم يوجب على أسامة بن زيد قودًا ولا دية ولا كفارة لما قتل الذي قال: "لا إله إلا الله" في غزوة الحرقات3 فإنه كان معتقدًا جواز قتله بناء على أن هذا الإسلام ليس بصحيح مع أن قتله حرام، وعمل بذلك السلف وجمهور الفقهاء في أن ما استباحه أهل البغي من دماء أهل العدل بتأويل سائغ لم يضمن بقود، ولا دية ولا كفارة وإن كان قتلهم وقتالهم محرمًا، وهذا الشرط الذي ذكرناه في لحوق الوعيد لا يحتاج أن يذكر في كل خطاب لاستقرار العلم به في القلوب كما أن الوعد على العمل مشروط بإخلاص العمل لله، وبعدم حبوط العمل بالردة ثم إن هذا الشرط لا يذكر في كل حديث فيه وعد ثم حيث قدر قيام الموجب للوعيد فإن الحكم يتخلف عنه الوعيد لمانع، وموانع لحوق الوعيد متعددة؛ منها التوبة ومنها الاستغفار ومنها الحسنات الماحية للسيئات ومنها بلاء الدنيا ومصائبها ومنها شفاعة شفيع مطاع ومنها رحمة أرحم الراحمين، فإذا عدمت هذه الأسباب كلها -ولن تعدم إلا في حق من عتا وتمرد وشرد على الله شراد البعير على أهله- فهنالك يلحق الوعيد به وذلك أن حقيقة الوعيد بيان أن هذا العمل سبب في هذا العذاب فيستفاد من ذلك تحريم الفعل وقبحه أما أن كل شخص قام به ذلك السبب يجب وقوع ذلك المسبب به فهذا باطل قطعًا لتوقف ذلك المسبب على وجود الشرط، وزوال جميع الموانع وإيضاح هذا أن من ترك العمل بحديث فلا يخلو من ثلاثة أقسام:

"إما أن يكون تركًا جائزًا باتفاق المسلمين، كالترك في حق من لم يبلغه ولا قصر في الطلب مع حاجته إلى الفتيا أو الحكم، كما ذكرناه عن الخلفاء الراشدين وغيرهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015