المجتهدين يعاقب على خطئه، وهذا1 لأن لحوق الوعيد لمن فعل المحرم مشروط بعلمه بالتحريم أو بتمكنه من العلم بالتحريم. فإن من نشأ ببادية، أو كان حديث عهد بالإسلام، أو فعل شيئًا من المحرمات، غير عالم بتحريمها لم يأثم ولم يحد، وإن لم يستند في استحلاله إلى دليل شرعي فمن لم يبلغه الحديث المحرم، واستند في الإباحة إلى دليل شرعي أولى أن يكون معذورًا، ولهذا كان هذا مأجورًا محمودًا لأجل اجتهاده قال الله سبحانه: {دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} إلى قوله {وَعِلْمًا} فاختص سليمان بالفهم وأثنى عليهما بالحكم والعلم. وفي الصحيحين عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر" فتبين أن المجتهد مع خطئه له أجر وذلك لأجل اجتهاده، وخطؤه مغفور له لأن درك الصواب في جميع أعيان الأحكام إما متعذر أو متعسر، وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر} وفي الصحيحين عن النبي أنه قال لأصحابه عام الخندق: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فأدركهم صلاة العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة وقال بعضهم: لم يرد منا هذا فصلوا في الطريق فلم يعب واحدة من الطائفتين فالأولون تمسكوا بعموم الخطاب فجعلوا صورة الفوات داخلة في العموم، والآخرون كان معهم من الدليل ما يوجب خروج هذه الصورة عن العموم فإن المقصود المبادرة إلى القوم، وهي مسألة اختلف فيها الفقهاء اختلافًا مشهورًا هل يخص العموم بالقياس، ومع هذا فالذين صلوا في الطريق كانوا أصوب، وكذلك بلال -رضي الله عنه- لما باع الصاعين بالصاع أمره النبي برده ولم يرتب على ذلك حكم آكل الربا من التفسيق واللعن والتغليظ لعدم علمه كان بالتحريم، وكذلك عدي بن حاتم وجماعة من الصحابة لما اعتقدوا أن قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَد} معناه الحبال البيض والسود فكان أحدهم يجعل عقالين: أبيض وأسود ويأكل حتى يتبين أحدهما من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015