فهذا لا يشك مسلم أن صاحبه لا يلحقه من معرة الترك شيء.

"وإما أن يكون تركا غير جائز. فهذا لا يكاد يصدر من الأئمة إن شاء الله تعالى لكن الذي قد يخاف على بعض العلماء، أن يكون الرجل قاصرا في درك تلك المسألة فيقول مع عدم أسباب القول، وإن كان له فيها نظر واجتهاد، أو يقصر في الاستدلال فيقول قبل أن يبلغ النظر نهايته مع كونه متمسكًا بحجة أو يغلب عليه عادة أو غرض بمنعه من استيفاء النظر لينظر فيما يعارض ما عنده، وإن كان لم يقل إلا بالاجتهاد، والاستدلال فإن الحد الذي يجب أن ينتهي إليه الاجتهاد قد ينضبط للمجتهد، ولهذا كان العلماء يخافون مثل هذا خشية أن لا يكون الاجتهاد المعتبر قد وجد في تلك المسألة المخصوصة فهذه ذنوب، لكن لحوق عقوبة الذنب بصاحبه إنما تنال لمن لم يتب، وقد يمحوها الاستغفار والإحسان والبلاء والشفاعة والرحمة ولم يدخل في هذا من يغلبه الهوى ويصرعه حتى ينصر ما يعلم أنه باطل أو من يجزم بصواب قول أو خطئة من غير معرفة منه بدلائل ذلك القول نفيًا وإثباتًا فإن هذين في النار كما قال النبي -صلى اله عليه وسلم1: "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة؛ فأما الذي في الجنة فرجل علم الحق فقضى به، وأما اللذان في النار فرجل قضى للناس على جهل ورجل علم الحق وقضى بخلافه" والمفتون كذلك لكن لحوق الوعيد للشخص المعين أيضًا له موانع كما بيناه فلو فرض وقوع بعض هذا من بعض الأعيان من العلماء المحمودين عند الأمة مع أن هذا بعيد أو غير واقع لم يعدم أحدهم هذه الأسباب، ولو وقع لم يقدح في إمامتهم على الإطلاق فإنا لا نعتقد في القوم العصمة، بل نجوز عليهم الذنوب ونرجو لهم مع ذلك أعلى الدرجات لما اختصهم الله به من الأعمال الصالحة والأحوال السنية، وأنهم لم يكونوا مصرين على ذنب، وليسوا بأعلى درجة من الصحابة -رضي الله عنهم- والقول فيهم كذلك فيما اجتهدوا فيه من الفتاوى والقضايا والدماء التي كانت بينهم وغير ذلك، ثم إنهم مع العلم بأن التارك الموصوف معذور بل مأجور لا يمنعنا أن نتبع الأحاديث الصحيحة التي لم نعلم لها معارضا يدفعها، وأن نعتقد وجوب العمل بها على الأمة ووجوب تبليغها، وهذا مما لا يختلف العلماء فيه" انتهى المقصود من هذا البحث من فتوى شيخ الإسلام، ولها تتمة بديعة فلتنظر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015