"فهذه الأسباب العشرة ظاهرة. وفي كثير من الأحاديث يجوز أن يكون للعالم حجة في ترك العمل بالحديث، لم نطلع نحن عليها فإن مدارك العلم، واسعة ولم نطلع نحن على جميع ما في بواطن العلماء، والعالم قد يبدي حجته وقد لا يبديها وإذا أبداها قد تبلغنا وقد لا تبلغ، وإذا بلغتنا فقد ندرك موضع احتجاجه وقد لا ندركه سواء كانت الحجة صوابًا في نفس الأمر أم لا، لكن نحن وإن جوزنا هذا فلا يجوز لنا أن نعدل عن قول ظهرت حجته بحديث صحيح وافقه طائفة من أهل العلم إلى قول آخر قاله عالم يجوز أن يكون معه ما يدفع به هذه الحجة، وإن كان أعلم إذ تطرق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعي فإن الأدلة الشرعية حجة الله على جميع عباده بخلاف رأي العالم، والدليل الشرعي يمتنع أن يكون خطأ إذا لم يعارضه دليل آخر ورأي العالم ليس كذلك، ولو كان العمل بهذا التجويز جائزًا لما بقي في أيدينا شيء من الأدلة التي يجوز فيها مثل هذا لكن الغرض أنه في نفسه قد يكون معذورًا في تركه له، ونحن معذورون في تركنا لهذا الترك وقد قال سبحانه: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَت} .

وقال سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} وليس لأحد أن يعارض الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بقول أحد من الناس كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما- لرجل سأله من مسألة فأجابه فيها بحديث فقال له: قال أبو بكر، وعمر ... فقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقولون: قال أبو بكر، وعمر، وإذا كان الترك بكونه لبعض هذه الأسباب فإذا جاء حديث صحيح فيه تحليل أو تحريم أو حكم فلا يجوز أن يعتقد أن التارك له -من العلماء الذين وصفنا أسباب تركهم- يعاقب لكونه حلل الحرام أو حرم الحلال أو حكم بغير ما أنزل الله، وكذلك إن كان في الحديث وعيد على فعل من لعنه أو غضب أو عذاب ونحو ذلك فلا يجوز أن يقول إن ذلك العالم الذي أباح هذا أو فعله داخل في هذا الوعيد، وهذا مما لا نعلم بين الأمة فيه خلافًا إلا شيئًا عن بعض معتزلة بغداد مثل المريسي وإضرابه أنهم زعموا أن المخطئ من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015