يعلم إلا قول اثنين أو ثلاثة من الأئمة المتبوعين، وما خرج عن ذلك فإنه عنده مخالف الإجماع؛ لأنه لا يعلم به قائلا وما زال يقرع سمعه خلافه، فهذا لا يمكنه أن يصير إلى حديث يخالف هذا لخوفه أن يكون هذا خلافًا للإجماع أو لاعتقاده أنه مخالف للإجماع -والإجماع أعظم الحجج- وهذا عذر كثير من الناس في كثير مما يتركونه، وبعضهم معذور فيه حقيقة وبعضهم معذور فيه، وليس في الحقيقة بمعذور وكذلك كثير من الأسباب قبله وبعده.

السبب العاشر:

معارضته بما يدل على ضعفه أو نسخة أو تأويله مما لا يعتقد غيره، أو جنسه معارض أو لا يكون في الحقيقة معارضًا راجحًا، كمعارضة كثير من الكوفيين الحديث الصحيح بظاهر القرآن، واعتقادهم أن ظاهر القرآن من العموم، ونحوه مقدم على نص الحديث ثم قد يعتقد ما ليس بظاهر ظاهرًا لما في دلالات القول من الوجوه الكثيرة، ولهذا ردوا حديث الشاهد واليمين1، وإن كان غيرهم يعلم أن ليس في ظاهر القرآن ما يمنع الحكم بشاهد ويمين ولو كان فيه ذلك، فالسنة هي المفسرة للقرآن عندهم، وللشافعي في هذه القاعدة كلام معروف، ولأحمد فيها رسالته المشهورة في الرد على من يزعم الاستغناء بظاهر القرآن عن تفسير سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أورد فيها من الدلائل ما يضيق هذا الموضع عن ذكره، ومن ذلك دفع الخبر الذي هو تخصيص لعموم الكتاب أو تقييد لمطلقة أو فيه زيادة عليه، واعتقاد من يقول ذلك أن الزيادة على النص كتقييد المطلق نسخ، وأن تخصيص العام نسخ وكمعارضه طائفة من المدنيين الحديث الصحيح بعمل أهل المدينة بناء على أنهم مجمعون على مخالفة الخبر، وأن إجماعهم حجة مقدمة على الخبر، كمخالفة أحاديث خيار المجلس بناء على هذا الأصل وإن كان أكثر الناس قد يثبتون أن المدنيين قد اختلفوا في تلك المسألة، وأنهم لو أجمعوا وخالفهم غيرهم لكانت الحجة في الخبر، وكمعارضة قوم من البلدين بعض الأحاديث بالقياس الجلي، بناء على أن القواعد الكلية لا تنقض بمثل هذا الخبر إلى غير ذلك من أنواع المعارضات سواء كان المعارض مصيبًا أو مخطئًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015