الموضوع الذي تستدرج به العامة للاستباحة لاعتقادهم بأن من صام كذا غفر له من السيئات كذا وكذا ومن تنفل بيوم كذا محيت سيئاته إلى كذا. ولقد بلغ ببعضهم سوء الفهم للدين أن جعلوا لبعض القصائد النبوية من الفضائل ما لم يجعلوه للقرآن فقالوا إن البيت الفلاني منها لشفاء الأسقام، والآخر لمحو الذنوب والآثام والثالث للنجاة من ظلم الحكام فليت شعري إذا اعتقد العامي أن تلاوة بيت من قصيد يكفي لمحو كل ما يقترفه في يومه من الآثام فإلى أية درجة ينتهى فساد أخلاقه وشرور نفسه، وماذا ينفعه القرآن بأوامره ونواهيه ووعده ووعيده وحكمه وأحكامه اللهم إن هذا لغاية الاستهانة بالدين والجهل بمقاصد الإسلام، ومنشؤه اضطراب الأفهام، وتلبس الحقائق بالأوهام منذ أخذ الوضاعون بالكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأدخلوا في الدين ما ليس منه يضاف إليه الإكثار من حمل الحديث على غير تفقه فيه، ووضع له في مواضعه التي أرادها الشارع وقصدها الإسلام، ولو تتبع العلماء سيرة الصحابة الكرام سيما خاصهم الذين لازموا النبي وفهموا هذا الدين حق الفهم لرأوا كيف أنهم كانوا يقلون من رواية الحديث إلا للخاصة، أو ما تعلق منه بالأحكام حتى بلغ بعمر -رضي الله عنه- أنه كان ينهى عن رواية الحديث ويقول: "عليكم بالقرآن" وما ذلك إلا خوف الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كثرت الرواية، والنقل وخوف افتنان العامة بما ليس لهم به علم، وبما لم يتفقهوا فيه من الحديث.

"أبو عبيدة بن الجراح"، كان من خيرة الصحابة وعلى جانب من التفقه في الدين والورع والتقوى دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن يسميه أمين هذه الأمة وقد سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا ربما لم يسمعه منه أحد من الصحابة، أو سمعه بعض الخاصة فرأى هذا الأمين أن يطوى هذا الحديث بين الجوانح ويضن به، على العامة كما ضن به عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن عقول العامة يلامسها الاغترار، ونفوسهم يلامسها الضعف وحب الشهوات فهم بالوعيد أولى وبإلزامهم ظواهر الشرع أخرى، ولكن لما ألجأته الضرورة القصوى وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015