هو الدلالات التي نصبها في العالم من رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال وخلق المنيرين والكواكب وغيرها وقد ذكرنا فساد هذه المقالة بل الصحيح والذى يليق بحكمة البارى تعالى ولطفه بخلقه أنه لا يجب الإيمان إلا بعد بعث الرسل وختم الأمر بالوحى الصادق إلى ما نصب من الدلائل الدالة عليه ثم بوجود معونته عليه وتوفيقه له فإن معرفة الله تعالى بصفاته التي هو عليها من أشق المعارف وأعسرها ولهذا ارتبك فيها أكثر الناظرين وتحيروا والتبس عليهم هذا الأمر بحقيقته وأيضا فإن عقلهم مشوب بالهوى وتنبههم غير تام لاستيلاء الغفلة عليهم وفجورهم راجح على تقوتهم فيكون نظرهم بهذه الأسباب مدخولا وفكرهم وارتيابهم معلولا ولهذا لم يخل العبد وعقولهم ولهذا لم يوجد أحد يهتدى إلى الحق على ما هو به بمجرد عقله وظهر لنا أن الحكمة الشرعية مقتضية على ما مهده واستنه ووضعه وهو إعطاء العقل آلة الإدراك ونزول الوحى الصادق بالأمر الصادق والتكليف ثم المعونة من الله تعالى من غير أن يخليه وأمره ويغنيه عن نفسه فإن أغناه عن نفسه فيما كلفه وأمره ويخليه ومحض معقوله لهلك بل هو مخالف بما عرف من تفضل الخالق مع خلقه وجوده وكرمه معهم ونظره لهم وهو الذى قلناه أيضا لا يعرف بمجرد العقل بلا لا يبصر إلا من أيده الله إليه بنوره ورفع بيده من ارتكابه في الظلمات ونجاه من المهاوى والمهالك التي هى [.....] 1 ويسأل الله مما لا وجود له إلا به ولا وصول إليه إلا بمعونته ومنه.
ثم ذكر فصلا في موجبات العقل دينا وقال يعنى بالوجوب: الوجوب في الذمة حقا لله تعالى لوقوعه علينا لا وجوب الأداء والتسليم إلى الله تعالى وذكر أن هذه الواجبات أربعة: معرفة نفسه بالعبودية ومعرفة الله تعالى بالإلهية ومعرفة العبيد للابتلاء إلى حين الموت بطاعة الله تعالى للجزاء الوفاق ومعرفة الدنيا وما فيها بالعبيد المبتلين بضرب يقع يعود إليهم فيها وذكر في هذا قصة طويلة وكلاما كثيرا فلم أر في ذكرها كبير فائدة فيما يرجع إلى أصول الفقة ثم ذكر محرمات العقل وجعلها أربعة أيضا: الجهل والظلمة والعته والسفه وزعم أن الجهل إنما يكون بترك الاستدلال بنور عقله والعاقل ما ركب فيه العقل إلا ليقف به على مصالح لا تنال غايتها بالحواس وبه غلب على ما في البر والبحر واستسخرها وادعى لنفسه كل شئ منها فيحرم بالعقل ما يفوت به أغراض العقلاء كما يحرم به ترك الأكل الذى فيه حياته وكما يحرم بالعقل ترك البصر