قال: وأما قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الزمر: 71] وهو كلام توبيخ فيكون بأظهر الأمور وأعلاها وأما قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] أي حجة نفاذ ولا حجة تقبل وكذلك أخذ الله تعالى الميثاق لقطع حجة نفاد وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ} [هود: 117] أى: لم يهلكهم بظلمهم حتى أرسل الرسول وظهر تعنتهم ولو أهلك لكان عدلا ولكنا أمهلنا إلى حين [.....] 1 عذاب الآخرة أى أخرنا عنهم العذاب إلى بعثة الرسل تأكيدا عليهم كما جعلناه بعد الحساب والشهود تأكيدا عليهم

ثم نذكر أقسام دلائل العقل الموجبة فقال: منها ما يدرك بدلائل العقول كحدث العالم ودلالة [.....] 2 ما لا يكون دلالة إلا بجد تأمل ونظر كدلالة العالم على صانع هو الله تعالى ولهذا اختلف العقلاء في ذلك لا لاختلافهم في استعمال النظر ولم يختلف في حدث العالم المحسوس.

ومنها: ما لا يكون دلالة إلا بتجربة كمعرفة الأدوية والأغلبة ولكن إذا دق المطلوب اختلف فيه الشبة.

ومنها: ما لا يكون دلالة إلا بمعرفة الحس كالنجوم على الطرق والجبال والأميال حتى شاركت البهائم العقلاء في هذه المعرفة لمشاركتها إيانا فيما يدرك بالحواس.

واعلم أننا بينا المذهب الصحيح من قبل وقد ذكرنا أن العقل لا يوجب بنصه شيئا ولا يحرمه والذى ذكره فيه ضبط عظيم لأنه إذا اختار أن الله تعالى يعرف بمجرد العقل فيكون قد ناقض وارتكب مالا تتجه صحته لأنه إذا عرف بمجرد العقل وقد أعطاه العقل ولا يحتمل أن يكون واجبا على الخلق فوجب أن يجب عليه إذا كان قد أصاب العقل الذى هو طريق معرفة الله تعالى ولأنه إذا حقق دلائل العقول بنفسها فيجب شكر المنعم والنظر المؤدى إلى معرفة الله تعالى على ما قاله أهل الكلام وقد مهدوا لهذا قواعد لا بد لمن عرف بها أن يحكم بأن العقل بنفسه يوجب ولم أحب ذكر ذلك ولأنه ليس مما يتصل بهذا الكتاب والقول بين القولين إنما يستحب اختياره وسلوك طريق بين الغالى والمقصر إنما يكون أولى إذا أمكن تمشيته فأما إذا لم يمكن تمشيته فلا وعلى أنه قد ذكر أن الموجب للإيمان ليس هو الله تعالى إنما الموجب للإيمان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015