قال: وقول من قال: إن الله تعالى لم يدعنا والعقول فذلك رحمة من قبل الله تعالى وتفضل منه وربما يقولون بعث الرسول لبيان تتمة الدين.

ببينة: أن الله تعالى لم يدعنا ورسولا واحدا وقد كانت الحجة قائمة لرسول واحد منهم.

قالوا: وأما اختلاف العقلاء فقد وجد اختلاف العقلاء بعد دعوة الرسل أيضا على أن من لم ينل ذلك لتقصير في اجتهاده والمقصر في اجتهاده لا ينال كان الحقيقة وكذلك الغالى يتعداها وإذا جاء الوحى والعصمة عن التقصير والغلو صار الدين واحدا.

وأما الذين قالوا: إن الاستدلال لا يجب قبل الشرع فقد احتجوا بالشرع والعقل. أما الدليل من قبل الشرع قول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] وقال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [النساء: 165] الآية وقال: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} وقال عقيب قوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: 131] فأخبر أن الإهلاك كان ظلما وهذه الآيات دالة على أن العذر لا ينقطع بمجرد العقل لأن الهوى غالب على الإنسان وطرق هوى الدين محضة تحت غالبة الهوى ومنام القلب والغفلة في دلائل العقل وفى تنبهه عن مؤلم الغفلة بالشرع حرج عظيم أكثر مما يحرج الصبى العاقل بسبب نقصان عقله لإدراكه ما يدركه البالغ من الخطاب المسموع. وقد أخبر الله تعالى لأن لا حرج في الدين وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخطاب ساقط عن الصبى مع وجود العقل ويمكنه من الاستدلال فكذلك بعد البلوغ يسقط أيضا بمجرد العقل لأنه لا تفرقة بين الحالين من حيث العقل. ألا ترى: أن العبادات كما سقطت بعذر الصبى سقطت بعذر الجهل عمن أسلم في دار الحرب ولا يعلم بالعبادات ولأن النفس بهواها غالبة [.....] 1 في أول الفطرة وإذا حدثت حدثت مغلوبة إلا من شاء الله من الخواص وإذا كانت مغلوبة بقيت العبرة للراجح وبقى الحكم على ما كان قبل العقل حتى يتأيد العقل بالوحى فيرجح على الهوى حينئذ فلا يجوز في الحكمة التزام العمل حسا والعامل مغلوبا بالمانع حسا فكذلك لا يحسن إلزام العمل بالحجة والحجة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015