وقال أيضا: إنهم يعذبون في الآخرة فجعلهم كأطفال المسلمين.
قال ولا نص عن علمائنا في المبسوط إلا ما ذكرنا من هدر الدماء وأنه لا يدل على التزام الكفر بترك الاستدلال فإن المسلم منافيهم عندنا ما يهدر دمه ما لم يجوز نفسه بدار الإسلام.
قال: قال علماؤنا: إن الصبى إذا أسلم وعقل صح إسلامه ولو لم يستدل بعقله ولم يجر كلمة الشهادة على لسانه لم يحكم بكفره وإن امتنع بعد الاستنصاب بل كان في حكم المسلم ما لم يبلغ ولو امتنع بعد البلوغ كفر لأن خطاب الشرع بالأداء ساقط قبل البلوغ فصار معذورا.
قال: واحتمل مثل هذا بعد البلوغ قبل أن تبلغه دعوة أحد فلا نحكم بكفره لجهله بالله تعالى وغفلته عن الاستدلال بالآيات ويحكى عن أبى حنيفه أنه قال: لا عذر لأحد في الجهل بالخالق لما يرى في العالم من آثار الخلق فيحتمل أن يكون ذلك بعد ورود السمع بذلك. فقد حكينا أنهم عذروا الصبى لجهله.
قالوا: وأما الذى قالوا إن الله تعالى لا يعرف بدون الشرع فقد ذهبوا في ذلك إلى أن العقلاء أجمعوا أن الأداء لا يجب إلا بعد ورود الشرع ولو كان العقل حجة كافية وجب قبل الشرع ولأنا نرى العقلاء مختلفين في إثبات القديم مع شدة تأملهم واشتهارهم بالحكمة ولا يعرف واحد منهم إصابة ما يتبين بالشرع ولو كان بالعقل كفاية لما اختلفوا فإن اختلفوا يجب أن يكون فيهم من أصابه وحين لم يعرف أن أحدا ممن طلب الحق بعقله أصابه على ما عرف بالشرع علمنا أنه لا يعرف بدون الشرع.
قال: وأما الذين قالوا: إنه تقع الكفاية بالعقل ذهبوا إلى أن إبراهيم عليه السلام قال لأبيه: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 74] ولم يقل [أوحى إلى] فثبت أن العقل بنفسه يهدى ولذلك الله تعالى أخبر أن إبراهيم عليه السلام استدل بالنجوم فعرف ربه عز وجل وكان استدلاله حجة على قومه فقال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 83] وليس في الآية من باب الوحى ذكر وقال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] ولم يقل نسمهم ونوحى إليهم. وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] ولم يقل بعدما أوحى إليه أو بلغته الدعوة فثبت أن العذر ينقطع بالعقل وحده ولو لم يكن فيه كفاية لما انقطع العذر.