أفق يا ذا النُّهى وابغ الوفاقا ... فقد والله أفلح من أفاقا

ونفسك أيُّها المغرور صنها ... عن الدُّنيا وبتَّ لها طلاقا

ولا تركن إليها فهي سجنٌ ... سفيهٌ من رجا منها إباقا

ولا تفرح بزخرفها فإنِّي ... رأيت تمام ما تعطي محاقا

ولكن من تلفَّع ثوب زهد ... يفكُّ بزهده عنها الوثاقا

إذا ما ساعةٌ للحشر قامت ... ولم تر عند صيحتها فواقا

وبرِّزت الجحيم لها زفيرٌ ... وحلَّ عذابها بهم وحاقا

وتنضب للعصاة وقد أتوها ... وما وافوا بصالحةٍ وهاقا

فكن حذراً وقيت حلول دارٍ ... يكون شراب ساكنها غساقا

وجاهد كي تصير إلى نعيمٍ ... مقيمٍ لا تخاف له فراقا

بدارٍ شرب ساكنها رحيقٌ ... يعاطي الكأس مشرعةً دهاقا

من التَّنسيم والولدان يسعى ... بها أبداً صبوحاً واغتباقا

وعندهم حسانٌ قاصراتٌ ... صفا ودُّ الحسان لهم وراقا

وأنهارٌ بها عسلٌ مصفَّى ... ومن لبن زها الرَّائي وشاقا

ومن خمرٍ تلذَّ لشاربيها ... ولا تغتال عقلاً إذ تساقى

وماءٌ لا يرى فيه أجونٌ ... إذا ما استافه السَّاقي وذاقا

وأفنان القطوف بها روان ... وتعتنق الغصون بها اعتناقا

وفيها ما تشهَّى النَّفس حتماً ... لمن لم ينو في الدُّنيا نفاقا

ولم ينو الخطايا مستحلاً ... ولا دانى فواحشها شقاقا

وأعظم منَّة لله فيها ... على العبد التَّحيَّة حين لاقى

سلامٌ يا عبادي نلتموه ... جزاءً من مليككم وفاقا

فخرُّوا ثمَّ كاد العقل منهم ... وقد لاقوه ينطلق انطلاقا

وكيف القلب لا ينشقُّ منِّي ... على هذا بغصَّته انشقاقا

وحول القوم أشجارٌ وروضٌ ... من المرجان تصطفق اصطفاقا

وحورٌ من بطون الغيب تبدو ... فتعتلق النُّفوس بها اعتلاقا

يلاعب بعضهم بعضاً سروراً ... بودٍّ ما أتوا فيه مذاقا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015