وكان رجلاً مطبوعاً، معاشراً فيه تودّد وكياسة، يحكي الحكايات المستحسنة، ويحفظ من النوادر والأشعار كثيراً، وينظم أشعاراً لا بأس بها. وكان يخضب بالسواد. وكانت بيني وبينه صحبة أيام مقامي بإربل. وكان يخدم بها متصرفاً.
ثم رحل عنها إلى حلب، وتولّى بمعرة النعمان ولايةً فلم يمكث بها إلَّا قليلاً حتى أتت عليه منيَّته؛ وذلك في رجب سنة ستٍّ وثلاثين وستمائة- رحمه الله تعالى-.
ومما أنشدني لنفسه بإربل في سنة خمس وعشرين وستمائة: [من الطويل]
هوىً عاد لي طفلاً وقد كان مكتهل ... وصار قشيباً بعد ما كان مضمحل
وعاودني منه الغرام الَّذي مضى ... من الشَّوق والتَّبريح إذ كان قد رحل
فقلت له فيما أتيت وما الَّذي ... تريد وثوبي في الشَّبيبة قد سمل
وهل يقبلنَّ البيض منِّي تشفعاً ... إليهنَّ بيضاً في العذار فاحتمل
وما من شفيعٍ في وصال أرومه ... فيشفع لي في وصلهنَّ إذا وصل
هو الحبُّ لا يسلى بشيبٍ وكبرةٍ ... مدى الدَّهر في قلب الكريم إذا نزل
وأنشدني لنفسه إملاءً: [من البسيط]
قد كنت في دعة ألهو بلا فرقٍ ... إذ كان سيَّان عندي العود والحطب
فمذ تأدَّبت نابتني نوائبه ... وفي التَّأدب إن عاينته نوب
وأنشدني أيضاً قوله: [من المتقارب]
أما والهوى واختلاس القبل ... وورد الخدود وغنج المقل
لقد شرَّد النَّوم عن مقلتي ... بدر العقيقين لمَّا أفل
وأنشدني لنفسه في غلام فقيهٍ: [من الطويل]
رأيت فقيهاً يافعاً عند شيخه ... يباحثه في درسه ساعة الدَّرس
وفي وجهه نورٌ كبدر دجنَّة ... إذا ما بدا في الحسن أو ألق الشَّمس
يقول له يا شيخ قد قال ربنا ... تعظَّم في تنزيله: النَّفس بالنَّفس
فقلت له: يا أحسن النَّاس منظراً ... وعلماً غزيراً ليس في العلم من لبس
أجرني لقد أتلفت نفسي عامداً ... ولا تعص قول الله للجنِّ والإنس