كيف لي أقطع الزمان وأيَّا ... مي بمرآك كلها يوم جمعه
/215 أ/ والعفيف هذا؛ هو أبو طالب عقيل بن الحسن بن عقيل بن صقر من أهل حلب، ومن بيت مشهور بها. شيخ حسن طويل أسمر اللون، ممتع الحديث، فكه المجلس جيد ني نفسه؛ عده مروءة وفية تودد وحسن عشرة لمعارفه وأصدقائه.
وكان يخدم متصرفاً للأمراء، ثم لزم بيته وواظب على الصلوات الخمس ويترامى إلى نظم القريض، ويتعاطي فيه. يفعل ذلك مزاحاً وانبساطاً، وله ذوق قريب ني قوله وتركيب أوزانه، ويقول شعراً ملحوناً، نازل الطبقة، وكانت بيه وبين أبي جعفر بن القيسراني الكاتب المنشئ صحبة قديمة، وصداقة وكيدة.
وكان أبو طالب يحبّ أن يكاتب أبا جعفر بالأشعار ويجاوبه عنها ويداعبه ويماجنه بالأبيات النادرة؛ ولولا سقوط شعر أبي طالب واللحن الذي يقع ني أثنائه، لأوردت منه شيئاً في كتابي هذا. وكنت أفردت له ترجمةً بذاتها لما كان بيني وبيه من أكيد الصحبة والاجتماع؛ لكنَّه من الهذيان / 215 ب/ الذي لا يعتدُّ به. ومن أصلح ماله من النظم توله من أبيات كثيرة، كتبها إلى بعض أصدقائه: [من مجزوء الخفيف]
نقذ الورق والورق والورق ... ففؤادي قد احترق
لا تدعني أصيح مثـ ... ــــل السمامين طق طلق
وكانت وفاة العفيف أبي طالب ليلة الجمعة خامس عشر ذي القعدة سنة خمسين وستمائة، ودفن بمقبرة الجبيل شمالي القلعة بكرة يوم الجمعة بتربة مخصومة بهم - رحمة الله تعالي - وسألته عن ولادته، فقال: ولدت في سنة خمس وسبعين وخمسمائة بحلب.
ثم نرجع إلى ذكر أبي جعفر بن القيسراني. كتب المخلص عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم التميمي إلى أبي جعفر عند عوده من دمشق، واتفق وصوله إلى حلب قبل عيد الأضحى بيومين وذلك سنة تسع وأربعين وستمائة.
/216 أ/ دم يا أبا جعفر مالاً لذي أمل ... يرجو نداك وعش للفضل والجود
ما عدَّ غيرك إلا واغتدت غرراً ... أفعالك البيض في أفعاله السود
اناي ارتحالك عنَّا كلَّ صالحه ... نادى إليها وأقصى كلَّ مقصود