سواعد صولته، ما نثر مقول، وبعثر معقول، وعسعس الديجور، وتنفس المهجور".
وله كثيرٌ من هذا الجنس.
[825]
محمد بن عبد المحسن بن محمد بن عبد الله القرشيُّ، أبو عبد الله.
من أهل مصر.
كانت ولادته بها، في سنة ثلاث وستمائة تقريبًا.
قرأ القرآن العزيز على جماعة من المشايخ بالقدس، وجوّد القرارات بدمشق، ويلزم نفسه بالرياضة والمجاهدة، ويسلك مسلك أولى المعارف، وذوي الأحوال، ويسافر على قدم التجريد، ويؤثر العزلة عن الناس، /193 ب/ والإنفراد بنفسه والخلوة، لا يختار مخالطتهم ومعاشرتهم، وفي معظم أوقاته يرى منقبضًا منهم، متجنبًا عن لقائهم، يبقى الخمسة والستة الأيام، لا يتناول فيها طعامًا ولا شرابًا البتة؛ وهو قائم بذات نفسه، ويروِّضها بالجوع، ومنع الشهوات، وخشونة الملبس. ولم يزل تلك الأيام في صلاة وفي تسبيح، وذكر لله تعالى، فاكتسب بهذه الرياضة؛ ضيق العطن، وإساءة الخلق، وجفاءٌ الطبع، وفراغ الرأس.
ويخطر له خاطر في الشعر؛ فينظم منه عدّة مقطعات، ثم يتراءى له في تلك الحال، فيأخذه فيمزقه ويغسله، ولم يظهر منه شيئًا أصلًا؛ لكوهنة تعتريه، وسوداء تغلب عليه.
شاهدته بحلب في محرم سنة خمس وخمسمائة، وسألته أن يملي علىّ شيئًا من أشعاره، فامتنع ساعًة، وأملى على منها، وكتبته عنه، فمن ذلك ما أنشدني لنفسه:
[من الكامل]
نحوي سرت كلُّ المسرَّة فاعملوا ... من واصل المحبوب فهو منعَّم
عندي أقام الحبُّ أجمع كلُّه ... فله بصدري منزلٌ ومخيَّم
ومناولاتٌ عندهن مظاهرٌ ... فيها مقاماتٌ تجلُّ وتكرم
/194 أ/ أصبحت ما بين الأنام منكَّرًا ... متخفَّيًا متجلببًا لا أفهم