حافظ للقرآن العظيم، عني بسماع الحديث، فأكثر منه، وصاحب أهل الدين، وخالط الصالحين.

ثم تعلم صنعة الركبدارية، فصار طبقة منها، مشهوراً بها، واتصل بالإمام الظاهر – رضى الله عنه- وهو ولي عهد، وخدم معه ركبدار؛ ولما أفضت الخلافة إليه، قربه وأدناه، وحظي عنده حيث رآه ماهراً في صنعته، مشكوراً في طريقته /174 ب/ ولما انقضت مدة إمامته، ونقله الله تعالى إلى مستقر رحمته، وما أعد له من فضله وكرامته، ومن على العالم بقيام من شملهم بعدله ورأفته، وعمرهم بعميم عطاياه ووافر صدقته؛ وهو الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين، أقرَّ محمداً هذا على ما كان عليه، وأجراه على ما أهل له، وفوّض إليه، وعمّه بالأنعام، وعمره بالعطاء الوافر الأقسام.

وهو رجل آدم، شديد سمرة اللون، شيخ نقي الشيبة، كبير النفس، عالي الهمة، قد أخذ بأطراف الفضائل على اختلافها؛ قرانًا، وحديثًا، وفقهًا، وأدبًا، وشعرًا، وجودًا، وسماحة، وإيثاراً.

وشعره رائق سهل الألفاظ، وهو القائل يمدح المستنصر بالله- رحمة الله- وأنشدنيه بمدينة السلام، بجانبها الشرقي يوم الأربعاء ثاني عشر رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من الوافر]

أدرها باليمين أو الشَّمال ... فلو كانت حلالًا ما حلا لي

ولا تطفي توقُّدها بماء ... ففي ياقوتها نور الَّلالي

وصرَّف صرفها بغناء شادً ... مليح الوجه معشوق الدَّلال

....... .... يزيد هوًى ويطمع في الوصال

ولا تخش الهموم على سرور ... ولا تجزع لحادثة اللَّيالي

/175 أ/ إذا المستنصر المنصور دامتً ... له النعماء لم تضرع لحال

وصلنا صولة الأسد الضَّواري ... على ريب الزَّمان ولم نبال

وباهينا ملوك الأرض جوداً ... وعدلاً جلًّ عدلك عن مثال

وقلنا ذا إمامُ أو نبنيٌّ ... كفاه ذا العلا عين الكمال

يبخل بالعطاء السحب كفّاً ... أفاض على الورى سحب الَّنوال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015