وهو شاعر يضرب في الأرض ببنات أفكاره، ويركب آماله إلى إدراك أوطاره، أشعر من ذلك في وقته، ذو قدرة على إنشاء الكلام ونحته؛ حسن الشعر صنعة، تنقاد له القوافي الشرّد وتطيعه. وكان كثيراً ما يصف أشعاره إذا أنشدها، ويطرب لها إذا أوردها، متفنن في أنواع القريض وضروبه، لم يجر أحد معه من الشعراء في أسلوبه، يفوقهم في قوله لفظاً ومعنىً، ويبر عليهم فصاحة وحسناً.
وكان رجلاً قد طبعت طبيعته على الأخذ، وجبلت طينته على الشحذ، من أشرس الناس خلقاً، وأدناهم نفساً، سيء العشرة، ضيق العطن، كثير اللجاج، وكانت طباعه فيها جفاءٌ، وأخلاقه فيها شراسة.
ثم تاب عن قول الشعر، والاستجداء به، وحجّ إلى بيت الله الحرام، سنة ثلاثين وستمائة /118 ب/ قصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ونظم قصيدة في النبي عليه السلام، وتوقف عالم عظيم لسماعها. ثم قال بعد أن فرغ من إنشادها على قبره صلى الله عليه وسلم وذلك في أوائل المحرم من سنة إحدى وثلاثين: يا رسول الله! لكل ضيف قرى، ولكل مادح ثواب، ولكل قاصد حرمة. وقد قصدتك، ومدحتك ووصفتك؛ فأسألك أن يكون قراي شفاعتك على الله الجنة والمغفرة وبعدها لم يسترفد بالشعر.
ثم قدم الموصل فمكث بها قليلاً، وخرج منها في تجارة متوجهاً إلى بلاد الشام، فطلع عليه التتر الملاعين، فاستأصلوا ما كان يملكه، ثم رجع إلى سنجار، فأنعم عليه كمال الدين بن مهاجر بفروة، كانت على جسمه، ورحل إلى حلب، فنزل في بعض مدارسها مرتزقاً جامكية تصل إليه، وأدّب جماعة من أولاد أمرائها.
ثم عنّ له السفر إلى دمشق، فسكنها، وكتب بها الشروط، ومات بها في أواخر جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وست مائة في المدرسة العادلية.
ولو حلفت بالله تعالى، إنني سمعت ديوانه من لفظه، إلاَّ القليل منه لم أكن حانثاً في يميني، لكثرة ما كان /119 أ/ ينشدني فكان قد استعرت منه ديوان شعره، فعلقت منه ما يصلح إثباته في الكتاب من المقطعات. وأنشدته ثم طلبه بعد ذلك، فأعطيته إياه، فلما طلبته ما طلني به، وسافر إلى دمشق، ولم يعده إليّ، فبقي عندي الشيء اليسير من شعره، فأثبته ورحل إلى دمشق، فما عدت رأيته بعد ذلك. وكان إذا أنشد