حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي- رحمه الله- من لفظه بإربل سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، في تاريخ إربل من تأليفه، وساق ذكر أبي المؤيد، فقال: ((الوزير الإمام سيد الأفاضل، وصدر الأماثل، وواحد الأكابر، ومن يضرب بفضله المثل السائر، ذو الفكرة المتوقد شعاعها، والبديهة المرضية رويتها وسماعها، المفتن في علوم الأوائل والأواخر، الضارب في فنون الفضائل بالسهم القامر.
ولي والده أبو إسماعيل الوزارة بإربل مدّة، ثم عزل عنها، وكان أبو المؤيد هذا في رفاهية من النعمة ناعمة، وبلهنيةٍ من العيش دائمة، لا تنزل الأحزان ساحته، ولا يعقب التعب راحته، حتى عزل والده، فسلبه الدهر دعته، وارتجع منه العيش الهنيّ وديعته، فتنكرت منه ومن والده معالمها، واستوى في الرقة/ 201 أ/ لهما شامتهما وراحمهما، ورحلا إلى الموصل، فأقاما بها على أنكد عيش وأمِّره، وأكره منقلب وأضرِّه.
وكان مجاهد الدين أبو منصور قايماز بن عبد الله الزيني- رحمه الله تعالى- يصل والده في كل شهر، بما يقوته، ولا يفضل منه ما يصل أبا المؤيد، فرثَّت بّزته، وساءت حالته؛ فرأيته في الموصل يرد إلى شيخنا أبي الحرم مكي بن ريان المكي النحوي- رحمه الله- يأخذ عنه شيئاً من النحو، وهو خامل الذكر، مقسم الفكر، مخالطًا أكثر أمانيه؛ بقوله: [من الوافر]
((ألا موتٌ يباع فأشتريه))
وكان بينه وبني أبي عبد الله محمد بن يوسف البحراني الإربلي صداقة وكيدة، مملوءة من المودة عبابها، فسألته أن يكتب له، إلى خاله أبي غالب عبد الواحد بن مسعود ابن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحسين وكان بواسط يتصرف في الأعمال الإمامية أبياتًا يشكو فيها والده، ويذم زمانه، فقال على لسانه: [من الطويل]