أشكُّ بأنَّ الحال رقَّت وليس لي ... إليك سوى المعروف من يتوسَّل!
/ 201 ب/ وأنَّ أبي والحادثات تعاونا ... عليَّ ولا يصفو مع الضَّيم منهل
وما نزغ الشَّيطان بيني وبينه ... بشيءٍ سوى أنِّي إمرؤٌ ليس يجهل
إذا ما رأيت المرء ليس بنافعٍ ... لديه جميلٌ فالقطيعة أجمل
ولمَّا دعاني البين وانشقَّت العصا ... أتيتك لمَّا لم يكن [عنك] معدل
ثم أنفذها في كتاب إلى خاله، فأظنّه- إن شاء الله- أمره أن يصل إليه، فمضى وأقام عنده مدَّة، فنكب خاله؛ ورحلا إلى السلطان الملك الناصر يوسف بن أيوب ابن شاذي- رحمها لله- فأنزل خاله أحسن منزل، وولاه النظر في أموال خزانته، وأقاما إلى أن توفي السلطان- رحمه الله- واتصلا بولده الملك الظاهر غياث الدين غازي- رحمه الله- فخدمه خاله مدّة.
ثمّ عرض له مرض منعه عن الخدمة، فتوصل أبو المؤيد إلى خدمته فخدمه، فما زال يهمي عليه سحائب نواله، وتسري إليه سرى الخيال طوارق أفضاله، حتى صار ذا جدةٍ وافرة، وسعادة فاخرة؛ وألقى إليه مقاليد أموره، واكتفى به في غيبته وحضوره.
فلقد حدثني من أثق به؛ أنه وصله من/ 202 أ/ غير الحسابة بمال جزيل، ونوال جليل، يقارب العشرة الآلاف الدينار، فلم يزل ينمى غرسه، وتشرق شمسه، حتى صار أحدوثة الرُّكبان في الحجة على تقلّب الأعيان.
أخذ علم الأوائل عن شرف الدين المظفر الطوسي، وكان عنده منه معرفة كتاب أوقليدس، والعمل بالبركار التام؛ وأشياء كثيرة تليق بمثله من الصدور.
وله رسائل عذبة، وألفاظ رطبة، ومعانٍ أرق من النسيم، وفصول أحسن من نضرة النعيم؛ وأنا ذاكر منها ما ذكرته من خطّه، ووقفت عليه من غيره، ما تروق الأسماع أسجاعه، وتشوق الطباع أوضاعه.
وكتب إلى أبي عبد الله محمد بن يوسف البحراني: [من الوافر]
وأبرح ما يكون الشَّوق يومًا ... إذا دنت الدِّيار من الدِّيار
لو أن أشواقي إلى المجلس الفلاني؛ أسماه الله وأيده، وكبت أعداءه وحسَّده،